المعاجم العربية ومدارسها
(أ) معاجم الموضوعات المتعدّدة
أعني بها الكتب التي تشتمل على مفردات موضوعاتٍ عديدةٍ، فالمعجم الواحد كأنّما يجمع عدداً من الرسائل اللغوية التي سبق ذكرها، وهي تتفاوت في السعة والضيق، فمنها ما يشمل أغلب مفردات اللغة، ومنها ما يحوي مفردات عددٍ من الموضوعات، ومن هذه المعاجم ما يلي:
الغريب المصنف – أبو عبيد القاسم بن سلام ( 150-244هـ )
الألفاظ الكتابية – عبد الرحمن الهمذاني ( ت 320هـ )
مُتخيّر الألفاظ – ابن فارس ( ت 395هـ )
فقه اللغة وسرّ العربية – أبو منصور الثعالبي ( ت 429هـ )
المخصص في اللغة – ابن سيدة ( 398-458هـ )
كفاية المتحفظ ونهاية المتلفّظ – ابن الأجدابي ( قبل 600 هـ )
الإفصاح في فقه اللغة: عبد الفتاح الصعيدي وحسين موسى (دار الكتب المصرية، 1929)
(ب) معاجم الألفاظ
سلك المعجميون مسالك متعدّدة في ترتيب ألفاظ معاجمهم، بحيث أصبحت طرقاً معروفةً لمن يريد جمع ألفاظ اللغة وترتيبها، فيختار أحدها ويبني عليها معجمه، وهذا النوع من المعاجم يعتني بترتيب الألفاظ وِفقاً لحروفها، وهو يقابل النوا السابق الذي يرتّب الألفاظ وِفقاً لمعانيها.
ولكي تتضح ملامح كلّ مدرسة أقدم تعريفاً بها يوضّح أسسها وخصائصها:
مدرسة الترتيب الصوتي ( مدرسة العين )
اختطّ معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي طريقةً في ترتيب ألفاظ اللغة لم يُسبق إليها، وهي تدلّ – مع صعوبتها – على عبقريةٍ فذّةٍ، فترتيب الألفاظ لم يسلك فيه الترتيب المعروف في وقته وهو الترتيب الألفبائي، وإنما جعل مخارج الحروف عِماده فيه، وهذا الترتيب هو الأساس الأول للمعجم، حيث قسّمه إلى كتبٍ وجعل كلّ حرفٍ كتاباً، ثمّ قسم كل كتابٍ ( حرفٍ ) إلى أقسامٍ بحسب أبنية الكلمات وهو الأساس الثاني، ثمّ قلّب الكلمات التي ذكرها تحت كلّ بناء على الصور المستعملة عند العرب، وهو الأساس الثالث، وأعرض هنا بياناً بالأسس الثلاثة:
الأساس الأول: ترتيب الحروف
بدأ بأقصى الحروف مخرجاً فجعلها بداية الترتيب ثمّ الذي يليها من جهة الفم حتى انتهى منها جميعاً، ولكنه لم يبدأ بأقصاها مخرجاً وهي الهمزة لعدم ثباتها على صورة واحدة، فهي تُقلب كثيراً إلى أحد حروف العلّة، ولم يبدأ بالحرف التالي وهو الهاء لضعفها فأخّرها إلى الحرف الثالث، فبدأ بحرف العين الذي يخرج من وسط الحلق وبعده الحاء، وهكذا حتى انتهى إلى حروف الشفتين، ثمّ حروف المدّ وبعدها الهمزة، وإليك الحروف على هذا الترتيب:
ع / ح / هـ / خ / غ / ق / ك / ج / ش / ض / ص / س / ز / ط / د / ت / ظ / ذ / ث / ر / ل / ن / ف / ب / م / و / ا / ي / أ
وتحت كلّ حرفٍ من الحروف وُضعت الكلمات التي تخصّه، ولكي لا يحدث تكرير للكلمات فتُذكر تحت كل حرفٍ من حروفها فقد سلَكَ المعجم الطريقة التالية:
وُضعت كلّ كلمة تحت أقصى حروفها مخرجاً دون النظر إلى موضع الحرف، سواءً كان في بدايتها أم في وسطها أم في آخرها، فمثلاً:
( لعب ) أوردها في حرف العين لأنه أقصاها مخرجاً، ولا ترد في غيره.
( رزق ) أوردها في حرف القاف لأنه أقصاها مخرجاً، ولا ترد في غيره.
( حزن ) أوردها في حرف الحاء لأنه أقصاها مخرجاً، ولا ترد في غيره.
( شدّ ) أوردها في حرف الشين لأنه أقصاها مخرجاً، ولا ترد في غيره.
( جرى ) أوردها في حرف الجيم لأنه أقصاها مخرجاً، ولا ترد في غيره.
( وقى ) أوردها في حرف القاف لأنه أقصاها مخرجاً، ولا ترد في غيره.
( كرسوع ) أوردها في حرف العين لأنه أقصاها مخرجاً، ولا ترد في غيره.
( عندليب ) أوردها في حرف العين لأنه أقصاها مخرجاً، ولا ترد في غيره.
يتبيّن ممّا مضى أنّ مخرج الحرف هو الذي يعرّفنا بموضع الكلمة من معجم العين، ولا عبرة بموقع الحرف من الكلمة.
وبهذه الطريقة فإن الكلمة لا ترد أكثر من مرّة لكونها تُذكر تحت أقصى حروفها مخرجاً في أيّ موضعٍ كان الحرف، ولذا فسنعلم أن الكلمة مهما قلّبنا حروفها فإن تقليباتها تُذكر في موضع واحد، وسيرد ذكر التقليبات في الأساس الثالث.
الأساس الثاني: تقسيم الأبنية
جميع الكلمات التي وُضعت تحت الحرف لكونه أقصى حروفها مخرجاً قُسّمت بالنظر إلى حروفها الأصول ووُضعت تحت أبنيتها، فوُضعت الأبنية في أبواب تحت كلّ حرف، ولذا ينقسم الحرف الواحد إلى أبوابٍ تشمل الكلمات مصنّفة بالنظر إلى حروفها الأصلية دون الزائدة، والأبواب هي:
باب الثنائي الصحيح / ذكر تحته الكلمات الثنائية مثل ( الخاء والقاف ) وفيه: خَقَّ، الخَقْخَقَة، الأُخقوق.
باب الثلاثي الصحيح / ذكر تحته الكلمات الثلاثيّة دون زوائد.
باب الثلاثي المعتلّ / ذكر تحته ما فيه حرفان صحيحان وحرف علّة مثل: ( الخاء والطاء وأحد حروف العلّة [ و ا ي ء ] ) وفيه: خطو، خطأ، خوط، وخط، خيط، طيخ، طخي.
باب اللفيف / ذكر تحته ما فيه حرفا علّة، مثل: ( القاف والواو والياء ) وفيه: قوي، قوقى، وقى، واق، أقا، قاء، أوق.
باب الرباعي / ذكر تحته الكلمات الرباعيّة مثل: ( القاف والجيم ) وفيه: جنبق، قنفج، جرمق، مجنق، جبلق، جوسق، جلهق.
باب الخماسي / ذكر تحته الكلمات الخماسيّة، مثل( باب الخماسي من القاف ) وفيه: جنفلق، شفشلق، قنفرش، فلنقس.
حينما نعيد النظر في الكلمات السابق ذكرها في الأساس الأول فإننا نجدها على النحو التالي:
( شدّ ) تحت باب الثنائي الصحيح من حرف الشين، ومعها مشتقاتها.
( لعب ) تحت باب الثلاثي الصحيح من حرف العين، ومعها مشتقاتها.
( رزق ) تحت باب الثلاثي الصحيح من حرف القاف، ومعها مشتقاتها.
( حزن ) تحت باب الثلاثي الصحيح من حرف الحاء، ومعها مشتقاتها.
( جرى ) تحت باب الثلاثي المعتلّ من حرف الجيم، ومعها مشتقاتها.
( وقى ) تحت باب اللفيف من حرف القاف، ومعها مشتقاتها.
( كرسوع ) تحت باب الرباعي من حرف العين.
( عندليب ) تحت باب الخماسي من حرف العين.
وأنبّه إلى أن تقسيم الأبنية السابقة يتكرّر تحت كل حرف من حروف المعجم.
الأساس الثالث: تقليب الكلمات
تبيّن ممّا سبق أن منهج العين هو تقسيم الكتاب إلى حروف، وتقسيم كل حرف إلى الأبنية المعروفة، ثمّ توزيع الكلمات التي تدخل تحت الحرف المقصود على الأبنية التي تدخل تحتها.
وأبيّن هنا أن الكلمات التي تدخل تحت كلّ بناءٍ تُقلّب على الصور المستعملة في العربية، ولذا فإن جميع تلك الصور ترد مرّةً واحدةً في تحت أقصى حروفها مخرجاً، ومن الأمثلة السابقة نعرف ما يلي:
( لعب، لبع، بلع، بعل، علب، عبل ) هذه التقليبات المختلفة للحروف الثلاثة يرد المستعمل منها تحت حرف العين، في باب الثلاثي الصحيح، في مادة ( علب )، لأنّ العين هي أقصاها مخرجاً، ثمّ اللام لأنها من طرف اللسان، ثمّ الباء لأنها من الشفتين، وهكذا بقيّة الكلمات التي ذكرتها سابقاً تذكر في موضع واحد مع جميع تقليباتها المستعملة.
وقد استعمل تقليب الكلمات ليكون طريقةً إلى إحصاء جميع الكلمات العربية المستعملة، وليس معناه أنّ جميع التقليبات استعملها العرب، بل منها ما استعمله ومنها ما أهمله، ولكن هذه الطريقة الإحصائية تُبرز له كل الصور الممكنة ليعرف بها المستعمل والمهمل.
أمّا عدد الصور التي تنتج عن تقليب الكلمات – سواءً المستعمل أم المهمل – فهي على النحو التالي:
الثنائي ينتج عنه صورتان.
الثلاثي ينتج عنه ستّ صور.
الرباعي ينتج عنه أربع وعشرون صورة.
الخماسي ينتج عنه مائة وعشرون صورة.
طريقة البحث عن الكلمة في معجم العين:
عند البحث عن الكلمة نسلك الخطوات التالية:
1- تعيين الحروف الأصلية للكلمة.
2- تعيين أقصى حروفها مخرجاً، حيث إنّه هو الحرف الذي تُذكر تحته الكلمة المقصودة، دون النظر إلى موضع الحرف سواءً كان في أولها أو أوسطها أو آخرها.
3- تعيين بناء الكلمة المقصودة، هل هو ثنائي أم ثلاثي صحيح أم ثلاثي معتلّ أم لفيف أم رباعي أم خماسي، وبعد تعيين بنائها نعرف أنّ الكلمة تقع تحته.
وكما أشرتُ سابقاً فإن جميع تقليبات الكلمة الواحدة تكون في موضع واحد.
أعرض مقطعاً من مقدمة العين لتكون أنموذجاً لهذا الكتاب:
(بسم الله الرحمن الرحيم، بحمد الله نبتدئ ونستهدي وعليه نتوكل وهو حسبنا ونعم الوكيل هذا ما ألفه الخليل بن أحمد البصري رحمة الله عليه من حروف أ ب ت ث مع ما تكلمت به، فكان مدار كلام العرب وألفاظهم، فلا يخرج منها عنه شيء، أراد أن تعرف به العرب في أشعارها وأمثالها ومخاطباتها فلا يشذّ عنه شيء من ذلك، فأعملَ فكره فيه فلم يمكنه أن يبتدئ التأليف من أول أ ب ت ث وهو الألف لأن الألف حرف معتل فلما فاته الحرف الأول كره أن يبتدئ بالثاني وهو الباء إلا بعد حجة واستقصاء النظر، فدبّر ونظر إلى الحروف كلها وذاقها فوجد مخرج الكلام كله من الحلق فصير أولاها بالابتداء أدخل حرف منها في الحلق، وإنما كان ذواقه إياها أنه كان يفتح فاه بالألف ثم يظهر الحرف نحو أب أت أح أع أغ، فوجد العين أدخل الحروف في الحلق فجعلها أول الكتاب ثم ما قرب منها الأرفع فالأرفع حتى أتى على آخرها وهو الميم، فإذا سئلت عن كلمة وأردت أن تعرف موضعها فانظر إلى حروف الكلمة فمهما وجدت منها واحداً في الكتاب المقدم فهو في ذلك الكتاب.
وقلّب الخليل أ ب ت ث فوضعها على قدر مخرجها من الحلق وهذا تأليفه ( ع ح هـ خ غ ق ك ج ش ض ص س ز ط د ت ظ ث ذ ر ل ن ف ب م و ا ي همزة ).
قال أبو معاذ عبد الله بن عائذ حدثني الليث بن المظفر بن نصر بن سيار عن الخليل بجميع ما في هذا الكتاب قال الليث قال الخليل كلام العرب مبني على أربعة أصناف على الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي فالثنائي على حرفين نحو قد لم هل لو بل ونحوه من الأدوات والزجر، والثلاثي من الأفعال نحو قولك ضرب خرج دخل مبني على ثلاثة أحرف، ومن الأسماء نحو عمر وجمل وشجر مبني على ثلاثة أحرف، والرباعي من الأفعال نحو دحرج هملج قرطس مبني على أربعة أحرف، ومن الأسماء نحو عبقر وعقرب وجندب وشبهه، والخماسي من الأفعال نحو اسحنكك واقشعر واسحنفر واسبكر مبني على خمسة أحرف... ) الخ...
المعاجم التي تبعت العين
سلك طريقة العين عدد من المعاجم، مع اختلافها في اتّباع العين في جميع المنهج أو بتغيير بعض ملامحه، لكن المنهج العامّ نستطيع أن نلمحه في تلك المعاجم، حيث إن ترتيب الحروف ترتيباً صوتياً، وتقسيم كل حرفٍ إلى أحد الأبنية، وتقليب الكلمات تحت كلّ بناء، من أهمّ الأسس التي بُنيت عليها تلك المعاجم مع بعض التغييرات في بعضها.
ومن المعاجم التي سلكت مسلك العين ما يلي:
1- البارع – أبو عليّ القالي ( 280-356هـ )
الأساس الأول: تقسيم الكتاب إلى الحروف مرتّبةً بحسب مخارجها، لكنّ ترتيبه الحروف اختلف قليلاً عن ترتيب العين، وجاء ترتيبه على النحو التالي:
هـ، ح، ع، خ، غ، ق، ك، ض، ج، ش، ل، ر، ن، ط، د، ت، ص، ز، س ، ظ، ذ ، ث، ف، ب، م، و، ا، ي
الأساس الثاني: تقسيم الحروف إلى أبنية، وقد اختلفت الأبنية هنا عن العين قليلاً:
1- باب الثنائي في الخطّ والثلاثيّ في الحقيقة، وقصد به الثنائيّ المضاعف
2- الثلاثيّ الصحيح
3- الثلاثيّ المعتلّ
4- باب الحواشي والأوشاب، وعنى به اللفيف
5- الرباعيّ
6- الخماسيّ
الأساس الثالث: تقليب الكلمات على طريقة العين في التقليب.
2- تهذيب اللغة – أبو منصور الأزهريّ ( 282-370هـ )
من أهمّ دواعي تأليفه:
أ- تقييد ما وعاه عن أفواه الأعراب الذين شافههم
ب- تبيينه الخلل الذي أصاب العربية في بعض الكتب ومنها كتاب العين
سلك مسلك العين في ترتيب الحروف وتقسيم الأبنية ونظام التقليبات، واعتمد العين أساساً لمعجمه – مع أنه ينكر أن يكون للخليل – وزاد عليه زيادات كثيرة، بعضها نقلها من الأعراب مشافهةً، وبعضها نقلها من الكتب.
3- المحيط – الصاحب بن عبّاد ( 324-385هـ )
تبع العين في ترتيب الحروف وتقسيم الأبنية والتقليبات، لكنّه اعتنى بالألفاظ فاستكثر منها مع اختصاره في ذكر المعاني، ولذا فلا تجديد عنده على نظام العين.
4- مختصر العين – أبو بكر الزُبيديّ ( - 379هـ )
سلك مسلك العين في ترتيب الحروف.
أمّا تقسيم الأبنية فقد زاد ( باب الثنائي المضاعف من المعتلّ ) فجاءت كما يلي:
أ- باب الثنائيّ المضاعف الصحيح ب- باب الثلاثيّ الصحيح
ج- باب الثنائيّ المضاعف من المعتلّ د- باب الثلاثيّ المعتلّ
هـ - باب الثلاثيّ اللفيف و- باب الرباعيّ
ز- باب الخماسيّ
وكذا تقليب الكلمات تبع العين فيها.
5- المحكم – ابن سيده ( 398-458هـ )
سلك مسلك العين في منهجه إلاّ أنه خالفه فيما يلي:
أ- تبع الزبيديّ في زيادة ( باب الثنائيّ المضاعف من المعتلّ )، وفي كثيرٍ من الموادّ التي خالف فيها الزبيدي العين، حيث تبع فيها الزبيديّ، وذلك بسبب كون الزبيديّ أستاذ والده ( إسماعيل )، وعن والده أخذ مختصر العين، وفي كثيرٍ من الموادّ يتطابق المعجمان.
ب- زاد ابن سيدة ألفاظاً كثيرةً على المختصر، ففاق فيها ما في العين، واعتنى بمسائل النحو والصرف.
مدرسة الجمهرة
لصعوبة طريقة العين في ترتيب الحروف فإنّ بعض اللغويين حاول تيسير تلك الطريقة لتكون أسهل للمطّلعين على المعجم، ومن أشهر مَنْ جدّد في طريقة العين ابن دريد في معجمه، ولذا فهو يُعدّ صاحب طريقةٍ جديدةٍ.
الجمهرة – أبو بكر بن دريد ( 223-321هـ )
أدخل ابن دريد على منهج العين تغييراتٍ عديدةً محاولةً منه تيسير طريقته المعقّدة، وجاءت تغييراته على النحو التالي:
الأساس الأول: تقسيم المعجم إلى الأبنية
قسّم الكتاب إلى الأبنية التالية بالنظر إلى حروفها الأصول:
أ- الثنائيّ المضاعف وما يلحق به.
ب- الثلاثيّ وما يلحق به.
ج- الرباعيّ وما يلحق به.
د- الخماسيّ وما يلحق به.
وأتبع هذه الأبواب أبواباً للّفيف والنوادر.
أي أن ابن دريد جعل تقسيم الأبنية هو الأساس الأول في معجمه، وليس كما جاء في العين، ففي العين قسّم كتابه إلى حروف، وكلّ حرف قسّمه إلى أبنية، أمّا ابن دريد فقد عكس ما في العين، ولذا ففي كل معجمه بناء واحد للثنائي المضاعف، وواحد للثلاثي.. وهكذا، وتحت كل بناء جميع الحروف العربية.
الأساس الثاني: تقسيم كلّ بناء إلى حروف
قسّم كلّ بناءٍ إلى أبوابٍ طبقاً للحروف على الترتيب الألفبائيّ، فبدأ بحرف الهمزة، ثم حرف الباء ثم التاء وهكذا بقية الحروف على الصورة التالية:
أ / ب / ت / ث / ج / ح / خ / د / ذ / ر / ز / س / ش / ص / ض / ط / ظ / ع / غ / ف / ق / ك / ل / م / ن / هـ / و / ي
3- بدأ كلّ بابٍ بالحرف المعقود له مع ما يليه في الترتيب الألفبائيّ، فمثلاً في باب ( التاء ) بدأ بها مع الثاء، ثمّ بها مع الجيم، وبعد نهاية الحروف تأتي التاء مع الهمزة، ثمّ التاء مع الباء.
وهنا يختلف الجمهرة عن العين لكونه رتّب الحروف على الترتيب الألفبائي وليس الترتيب الصوتي، وهذا من مواطن التجديد في الجمهرة.
الأساس الثالث: تقليب الكلمات
قلّب الألفاظ التي تقع تحت كل حرف على الصور المستعملة في العربية.
طريقة البحث في الجمهرة:
للبحث عن كلمة في الجمهرة نسلك الخطوات التالية:
1- تجريد الكلمة من الحروف الزائدة لنعرف الحروف الأصلية.
2- تحديد البناء الذي تدخل تحته الكلمة ( الثنائي أو الثلاثي أو الرباعي أو الخماسي )، ثم الاتجاه إلى ذلك البناء في الجمهرة.
3- البحث عن الكلمة تحت أول حروفها على الترتيب الألفبائي، ثم الذي يليه، ومع الكلمة بقية تقليباتها.
وإليك أمثلة تطبيقية للبحث عن الكلمات في الجمهرة:
أمثلة تطبيقية:
(أكل ) نجدها في باب الثلاثي تحت حرف الهمزة ثم الكاف لأن الهمزة أول الحروف على الترتيب الألفبائي ثم الكاف ثم اللام، ونجد معها المستعمل من تقليباتها ( ألك، كلأ، كأل، لكأ، لأك ).
(قعد) نجدها في باب الثلاثي تحت حرف الدال مع العين لأن الدال أولها على الترتيب الألفبائي ثم العين ثم القاف، أي أنها تحت ( دعق ) ومعها المستعمل من تقليباتها مثل ( دقع، قدع، قعد، عقد، عدق ).
(عبس) نجدها في باب الثلاثي تحت حرف الباء مع السين لأن الباء أولها ثم السين ثم العين، أي أنها تحت (بسع) ومعها المستعمل من تقليباتها.
ولو أتيت ببعض الأمثلة التي ذكرتها عند ذكر أسس مدرسة العين لتبيّن لنا الاختلاف في مواقع الكلمات في الجمهرة عنه في العين:
( شدّ ) في باب الثنائي تحت حرف الدال لأنه أول حروفها على الترتيب الألفبائي، ومعها تقليباتها المستعملة.
(لعب) في باب الثلاثي تحت حرف الباء لأنه أولها على الترتيب الألفبائي، ومعها تقليباتها.
(رزق ) في باب الثلاثي تحت حرف الراء، ومعها تقليباتها.
(حزن) في باب الثلاثي تحت حرف الحاء، ومعها تقليباتها.
معجم مقاييس اللغة – أحمد بن فارس ( - 395هـ )
يُعدّ هذا المعجم قريباً من الجمهرة في المنهج مع بعض الاختلاف
أهمّ دوافع تأليفه:
أ- إثبات دوران صيغ المادّة المختلفة حول معنى أصليّ مشترك، وهو ما عبّر عنه بأنّ للغة العرب مقاييس صحيحة وأصولاً تتفرّع منها فروع.
ب- بيان أنّ أكثر الكلمات الرباعيّة والخماسيّة منحوتة.
أمّا منهجه فعلى النحو التالي:
1- قسّم معجمه إلى كتبٍ على ترتيب الحروف الترتيب الألفبائيّ، فبدأ بكتاب الهمزة، ثمّ كتاب الباء وهكذا.
2- قسّم كلّ كتابٍ إلى ثلاثة أبواب بحسب الأبنية: الثنائيّ المضاعف، ثمّ الثلاثيّ، ثمّ ما زاد على الثلاثيّ المجرّد.
3- رتّب الكلمات في الأبواب بحسب الحرف الثاني وما بعده، وقد بدأ كلّ بابٍ بالحرف المعقود له مع ما يليه في الترتيب الألفبائيّ، فمثلاً في باب (التاء) بدأ بها مع الثاء، ثمّ بها مع الجيم، وبعد نهاية الحروف تأتي التاء مع الهمزة، ثمّ التاء مع الباء.
ونلاحظ أنّ معجم مقاييس اللغة اختلف عن الجمهرة في عدة أمور:
1- قسّم كتابه إلى الحروف مرتّبةً ترتيباً ألفبائياً، فهو كمعجم العين في تقسيم الكتاب إلى الحروف، ولكنه اختلف عنه في أن ترتيبه للحروف ترتيب ألفبائي.
2- قسّم كلّ حرفٍ إلى الأبنية كطريقة العين، ولكنه اختلف عنه في أن الأبنية ثلاثة (الثنائي المضاعف، الثلاثي، ما زاد على الثلاثي المجرد)،
ونلاحظ أنه اختلف عن معجم الجمهرة في أنه جعل الأساس الأول هو الحروف، والثاني هو الأبنية، أما الجمهرة فجعل الأبنية الأساس الأول، والحروف الأساس الثاني.
3- لم يقلّب الكلمات على طريقة الجمهرة وإنما ذكر التقليبات المختلفة لكل كلمة في موضعها، فمثلاً ذكر (لعب ) في الثلاثي من حرف اللام ثم العين، وذكر (علب) في الثلاثي من حرف العين ثم اللام، وكذا ( بلع ) ذكرها في الثلاثي من حرف الباء ثم اللام، وهكذا بقية التقليبات.
مجمل اللغة – أحمد بن فارس (- 395هـ)
ألفه قبل تأليفه المقاييس، وكان هدفه تدوين الواضح والمشهور والصحيح من كلام العرب واختصاره وإجماله، ولكن المقاييس اشتهر أكثر منه، ومنهجه في المجمل فكمنهجه في مقاييس اللغة.
مدرسة التقفية
كان التطوّر في التأليف المعجمي العربي يتّجه إلى التسهيل على مستعمل المعجم من العرب، وقد لحظنا ذلك في محاولة ابن دريد في الجمهرة لتيسير طريقة العين، فترك ترتيب الحروف ترتيباً صوتياً إلى ترتيبها ترتيباً ألفبائياً، وكذا ابن فارس كان من أبرز التغييرات التي سلكها أنْ تركَ تقليب الكلمات، فذكر كلّ كلمة في موضعها.
وحدثَ التغيير الكبير في تأليف المعجم العربي حينما تُركت كلّ الأسس الثلاثة التي بُني عليها معجم العين والمعاجم التي تبعته، وكان هذا التغيير في طريقةٍ جديدةٍ في المعجم وهي ترتيب المعجم ترتيباً ألفبائياً على الحرف الأخير باباً والأول فصلاً، ففي هذه المدرسة تُرك الترتيب الصوتي للحروف وهو الأساس الأول لمعجم العين، وتقسيم الكلمات على الأبنية وهو الأساس الثاني، وتقليب الكلمات على الأوجه المستعملة وهو الأساس الثالث.
يتّضح أنّ التغيير الذي أصاب المعجم في هذه المدرسة تغييرٌ كبيرٌ، لكونه قفزةً في تصنيف المعجم اتّجهت إلى التيسير على المطالعين، بسلوكها طريقاً سهلاً خلّص المعجم من مواطن الصعوبة التي اتّسم بها.
وعُرفت هذه المدرسة بمدرسة التَقْفِيَة، لكون ترتيب ألفاظه اعتمد على قافية الكلمة وهي آخرها، وأوضّح أسسها على النحو التالي:
الأساس الأول: تقسيم المعجم إلى أبوابٍ بعدد الحروف، بُنيتْ بالنظر إلى الحرف الأخير للكلمة:
توضيح: انطلق ترتيب الكلمات في هذه المدرسة من الحرف الأخير بجعله باباً، فلم يُنظر إلى الأبنية الثلاثية والرباعية وغيرها، ولا إلى نظام التقليبات، وإنما إلى الاتّفاق في الحرف الأخير، ولذا تجتمع في كلّ بابٍ الكلماتُ المنتهية بحرفٍ واحدٍ، وجاءت الأبواب على الترتيب الألفبائيّ على النحو التالي: (باب الهمزة، باب الباء، باب التاء، باب الثاء، باب الجيم... )، ويقع تحت كل باب الكلمات التي انتهت بالحرف الذي سُمّي به الباب، لا فرق بين الثلاثي والثنائي والرباعي والخماسي، كلّها وُضعت تحته، ورُتّبت ترتيباً داخلياً على الحرف الأول، وهو الأساس الثاني.
الأساس الثاني: تقسيم كلّ بابٍ إلى فصولٍ بعدد الحروف، كلّ فصلٍ يبدأ بحرف، ورُتّبت الفصول على الحرف الأول للكلمة:
توضيح: كلّ بابٍ قُسّم إلى فصولٍ بعدد الحروف مرتّبةً ترتيباً ألفبائيّاً ( فصل الهمزة، فصل الباء، فصل التاء... )، وفي كلّ فصلٍ من فصول الباب الكلمات المتّفقة في الحرف الأول، ، ففي فصل الهمزة الكلمات المبدوءة بالهمزة، وفي فصل الراء الكلمات المبدوءة بالراء، وهكذا، وكلّ هذه الفصول متّفقة في الحرف الأخير وهو الباب.
وإذا تعدّدت كلمات الفصل الواحد رُتّبت بمراعاة الحرف الثاني وما بعده، فمثلاً نجد ( فصل الباء ) تحت ( باب الراء )، وفيه ( بئر، بتر، بثر، بجر، بحر، بخر، بدر... ) فنلاحظ أن الكلمات اتّفقت في الباب وهو الحرف الأخير، وفي الفصل وهو الحرف الأول، ولكنها اختلفت في الحرف الثاني، ولذا رُتّبت بالنظر إليه فجاءت الهمزة ثمّ التاء ثم الثاء وهكذا...
طريقة البحث عن الكلمات:
للبحث عن كلمةٍ نسلك الخطوات التالية:
1- تجريد الكلمة من الزوائد لنعرف الحروف الأصلية.
2- البحث عن الكلمة في الحرف الأخير منها، حيث وُضعت الكلمات تحت الحروف الأخيرة منها.
3- تحديد موضعها من الباب بحسب حرفها الأول، حيث رُتّبت الكلمات في الأبواب بالنظر إلى أوائل الكلمات على الترتيب الألفبائي.
وأعرض هنا أمثلة تطبيقية لبعض الكلمات لبيان موقعها في المعجم:
( أكل ): نجدها في باب اللام فصل الهمزة.
( قعد ): نجدها في باب الدال فصل القاف.
( عبس ): نجدها في باب السين فصل العين.
وأورد هنا الكلمات التي مثّلت بها عند دراسة العين لنعرف الفرق في ترتيب تلك الكلمات بين العين وترتيب مدرسة التقفية:
( شدّ ) نجدها تحت باب الدال فصل الشين.
( لعب ) تحت باب الباء فصل اللام.
( رزق ) تحت باب القاف فصل الراء.
( حزن ) تحت باب النون فصل الحاء.
( كرسوع ) تحت باب العين فصل الكاف.
معاجم مدرسة التقفية:
جاءت هذه المدرسة تيسيراً على العربي وتسهيلاً لاستخدام المعجم العربي، وقد سلك العديد من المعاجم العربية هذه الطريقة لمدة زمنية طويلة قبل أن تأتي الطريقة الأخيرة وهي طريقة الترتيب الألفبائي على الحرف الأول فالثاني.
ومن المعاجم التي سلكت هذه الطريقة ما يلي:
تاج اللغة وصحاح العربية – أبو نصر الجوهري ( ولد سنة 332هـ، وتوفي سنة 400هـ تقريباً )
الصحاح: انتخب له الجوهري هذا الاسم لاقتصاره فيه على ما صح عنده من ألفاظ اللغة. واختط لمعجمه هذا منهجاً خاصاً أعرض فيه عن الترتيب الصوتي (المخرجي) للحروف كما أعرض عن نظام التقاليب والأبنية. وعمد إلى الترتيب الهجائي (الألفبائي) للحروف، واتخذه الأساس الأول والأخير في تنظيم معجمه أبواباً وفصولاً وما تضمنه من مواد لغوية، مخالفاً بهذا المدارس السابقة متخلصاً مما شاب مناهجها من صعوبات. ولقد طبق الترتيب الهجائي – أول ما طبقه – على أواخر الألفاظ ومن ثم على أوائلها وعلى ما تلا الحروف الأولى حتى أتى على حروفها كافة. فقسم معجمه إلى ثمانية وعشرين باباً، جعل لكل حرف من حروف الهجاء باباً منها، إلا أنه جمع الواو والياء في باب واحد.
وأودع في كل باب جميع الألفاظ المنتهية بحرفه. فالباب – عنده – يشير إلى الحرف الأخير من اللفظ ولهذا سمي نظامه بنطام القافية. ففي باب الهمزة – مثلاً – جمع كل ما انتهى بها من ألفاظ وهكذا.
وقسم كل باب منها إلى فصول بعدد وترتيب حروف الهجاء (الألفباء) مشيراً بهذه الفصول إلى أوائل حروف الألفاظ. فابتدأ باب الهمزة بفصل الهمزة وأعقبه بفصل الباء ثم التاء إلى آخر الحروف.
وهذا هو شأنه في الأبواب كلها فباب الباء فصل الهمزة ضم جميع الألفاظ المنتهية بالباء والمبدؤة بالهمزة أياً كانت أبنية هذه الألفاظ.
كما أنه رتب مواد كل فصل من هذه الفصول بحسب أسبقية ما بين الحرفين الأول والأخير منها في الترتيب الهجائي أيضاً.
ففي باب الدال فصل الواو يتقدم الفعل (وأد) على الفعل (وجد) لا لشيء إلا لأن الهمزة تسبق الجيم في الترتيب الهجائي. والفعل (حرجم) يسبق الفعل (حرم) مع أن كلاً منهما في باب الميم فصل الحاء وأن الحرف الثاني فيهما راء غير أن الحرف الثالث في ((حرجم)) جيم وهو في (حرم) ميم والجيم متسابقة الميم في الترتيب الهجائي.
ولهذا فالبحث عن لفظ في الصحاح وما ماثله في معاجم يتطلب معرفة الحرف الأخير منه لمعرفة بابه كما يتطلب معرفة حرفه الأول للوقوف على الفصل الذي تضمنه من ذلك الباب، وتنظر بعد وذاك بقية أحرفه – بحسب تواليها – لتحديد موضعه من الفصل.
ولقد أعجب بالكتاب ومنهجه أكثر اللغويين وقامت حوله دراسات أثمرت كتباً متعددة متنوعة سلكت سبيل الصحاح في تنظيمها يضيق هذا البحث بالتحدث عنها. لذا نكتفي بذكر مثالين لنوعين من أنواع تلك الدراسات وهما مختار الصحاح والتكملة والذيل والصلة.
لسان العرب – ابن منظور ( 630-711 هـ )
ألفه ابن منظور (محمد بن مكرم بن علي الخزرجي الأفريقي 630هـ – 711). ولقد أراد ابن منظور أن يجمع فيه بين الاستقصاء وجودة الترتيب فعمد لتحقيق الغرض الأول إلى إبراز المعاجم السابقة – كما رآها هو – فأفرغها في موسوعته وذكرها مصرحاً بذكرها في مقدمته وهي:
تهذيب اللغة للأزهري، والمحكم لابن سيده، والصحاح للجوهري، وحواشي ابن بري على الصحاح، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير. وقال بكل تواضع: "وليس لي من هذا الكتاب فضيلة أمت بها، ولا وسيلة أتمسك بسببها سوى أني جمعت ما تفرق في تلك الكتب من العلوم وبسطت القول فيه".
وأضاف قائلاً: "فليعتد من ينقل عن كتابي هذا أنه ينقل عن هذه الأصول الخمسة".
وأما الغرض الثاني (جودة الترتيب) فرأى أن انتهاجه منهج الجوهري في صحاحه كفيل بتحقيقه. فلقد أعرب عن إعجابه به وتفضيله إياه على ما سواه قائلاً: "ورأيت أبا نظر إسماعيل بن حماد الجوهري قد احسن ترتيب مختصره، وشهره بسهولة وضعة فخف على الناس أمره فتناولوه. وقرب عليهم ما أخذه فتداولوه وتناقلوه". إلى أن قال: "ورتبته ترتيب الصحاح في الأبواب والفصول".
ولقد ذاع صيت اللسان وطبقت شهرته الآفاق.
القاموس المحيط – الفيروزآبادي ( 729-817 هـ )
القاموس المحيط: ألفه الفيروزأبادي (محمد بن يعقوب بن محمد بن يعقوب بن إبراهيم 729هـ – 817).
ولقد أراد له مؤلفه أن يكون جامعاً موجزاً في الوقت ذاته. فحقق الشمول والاستيعاب بتعويله على العباب للصفاني والمحكم لابن سيده، فأودع في كتابه – عن طريقهما – خلاصة ما في العين والجمهرة والتهذيب والصحاح والتكملة وذكر في مقدمته أنه أضاف من زياداته إلى ما تضمنه العباب والمحيط. وقد سبقت الإشارة إلى أنه سماه القاموس المحيط لكونه – كما رآه – البحر الأعظم وكما عمد إلى الشمول، فقد عمد إلى الإيجاز وصرح به قائلاً وسئلت تقديم كتاب وجيز على ذلك النظام وعمل مفرغ في قالب الإيجاز والإحكام، مع إتمام المعاني، وإبرام المباني فصرفت صوب هذا القصد عناني وألفت هذا الكتاب محذوف الشواهد، مطروح الزوائد، معرباً عن الفصح والشوارد.
ولم يكتف بحذف الشواهد دون طرح الزوائد بل عمد إلى استخدام الرموز مكتفياً بكتابة (ع، د، ة، ج، م) عن موضع وبلد وقرية والجمع معروف.
وقد اتبع الجوهري في منهجه لأنه لم يؤلف كتابة إلا ليتتبعه فيذكر ما أغفله وينبه إلى ما توهمه لاشتهار مؤلفه وتعويل المدرسين عليه فقال.
(وخصصت الجوهري من بين الكتب اللغوية مع ما في غالبها من الأوهام الواضحة والأغلاط الفاضحة لتداوله واشتهاره بخصوصه، واعتماد المدرسين على نصوصه).
تاج العروس – الزَبيدي ( 1145- 1205هـ )
وقد ألفه صاحبه شرحاً لقاموس الفيروزأبادي، والتزم فيه بإيراد جميع مواد القاموس وتحقيقها والتنبيه إلى مراجعها وتفسير ما يحوج منها إلى تفسير والإتيان بالشواهد التي استغنى القاموس عنها فاضطره هذا كله أن يرجع إلى مائة وعشرين كتاباً ذكرها في مقدمته وبإيراده ما في القاموس وما استدركه عليه من كل هذه الكتب صار التاج – بحق – أجمع معجم عربي بلا نزاع. وقد طبعته المطبعة الأميرية ببولاق في القاهرة طبعة كاملة في عشرة أجزاء. وقامت وزارة الإرشاد والأنباء الكويتية بطبع أجزاء منه طباعة حديثة أنيقة ولا تزال مستمرة في طبع ما بقي منه.
مدرسة الترتيب الألفبائي
جاء التطوير الأخير في المعجم العربي ليكون خاتمة المدارس المعجمية، حيث وصل التيسير في المعجم العربي إلى أسهل الطرق، وهي الطريقة الأقرب إلى التفكير الأوليّ عند النظرة الأولى إلى الكلمة، فالكلمة تُقرأ من الحرف الأول ثمّ الثاني وهكذا، وهذه المدرسة رتّبت الكلمات بمراعات الحرف الأول ثمّ الثاني وهكذا، دون النظر إلى البناء الصرفي الذي تعود إليه الكلمة، ويمكننا ذكر منهجها على النحو التالي:
أساس المدرسة: ترتيب كلمات المعجم على الحرف الأول فالثاني، بعد تجريدها من الزوائد، أي أن الكلمات تُوضع تحت الجذر الأصلي للكلمة.
وقد بدأ التصنيف على هذه الطريقة في الوقت الذي كان بعض المعجميين يُصنّف على طريقة التقفية، ومن أقدم من صنّف عليها الزمخشري في القرنين الخامس والسادس، واستمرّ أكثر المعجميين يصنّفون عليها حتى اصبحت في العصور المتأخرة هي الطريقة الوحيدة.
والمعاجم التي تبعت هذه الطريقة كثيرة، منها قديم ومنها حديث، نعرض أهمّها فيما يلي:
المعاجم القديمة
أساس البلاغة - محمود بن عمر الزمخشري ( 467-538هـ )
دوافعه لتأليف المعجم:
1- دينيّ وهو التعرّف على وجوه الإعجاز القرآني بمعرفة أساليب العرب في كلامها من الحقيقة والمجاز.
2- عنايته الكبرى بالعبارات البلاغية الراقية بما فيها من معانٍ حقيقيّة ومجازيّة، ولذا فلم يكن همّه الاستقصاء كأكثر المعاجم السابقة.
أمّا عن منهجه فقد رتّب الألفاظ على الحرف الأول فالثاني وما بعده، ورتّب المعاني بالنظر إلى الحقيقة والمجاز، فذكر المعنى الحقيقيّ ثمّ المجازيّ.
مختار الصحاح – محمد بن أبي بكر الرازيّ (- 666 هـ)
اختصر فيه الصحاح للجوهريّ مع الزيادة عليه ممّا رآه مهمّاً للعالم والفقيه والأديب ممّا يكثر جريانه على الألسنة.
أمّا منهجه فكمنهج أساس البلاغة.
المصباح المنير – أحمد بن محمد المُقْري الفيّوميّ (- 770 هـ)
شرح فيه غريب شرح الرافعيّ للوجيز في الفقه، ورتّب الألفاظ ترتيباً ألفبائيّاً على حروفها الأصول، ولكنّه عُني بالمشتقات كثيراً، وأشار إلى أبواب الأفعال والجموع، وفصّل في المسائل اللغويّة والصرفيّة والنحويّة.
المعاجم الحديثة
تعدّدت المعاجم العربية الحديثة وكثُرت وتفاوتت بين مجيدٍ ومقصّرٍ، وسلك بعضها مسلك المعاجم القديمة، وحاول بعضها التجديد في مادّتها بإدخال بعض الألفاظ التي لم تدخل في المعاجم القديمة.
وأعرض هنا لعددٍ قليلٍ منها نماذجَ على بقيّتها:
محيط المحيط – بطرس البستانيّ
فرغ من تأليفه عام 1286هـ - 1869م
وقد اتخذ من القاموس المحيط للفيروزآبادي أساساً لمادة معجمة، وأضاف ما فات الفيروزآبادي من مفردات عثر عليها في معاجم أخرى. وحذف أسماء الأماكن والأشخاص والقبائل والمشتقات القياسية وبعض اللغات. وصاغ التفسيرات صياغة تلائم روح العصر الحديث وأضاف غير قليل من المفردات والمعاني المولدة والمسيحية والعامية والمصطلحات العلمية والفلسفية.
المنجد: للأب لويس المعلوف
أخرجه سنة 1908م اختصر فيه محيط المحيط البستاني وسار على نظامه. ورجع إلى التاج كثيراً في تفسير مواده. واستعان بالرموز على غرار المعاجم الأجنبية فرمز للصيغ وتكرار اللفظ المشروح. وأكثر من الصور الموضحة. فلقي رواجاً منقطع النظير لما انطوى عليه من مميزات فهو مبّرأ من فضول القول والاستطرادات وتعدد الأوجه مكثف المادة غزيرها رائق في حجمه ومظهره. غير أنه مع هذا كله لا يصلح مرجعاً موثوقاً للباحثين المختصين لوقوعه في بعض الأخطاء ولأنه مشوب في عدد من مواده بأمور تتصل بالدين الإسلامي والتراث العربي مما درج على ترديده عدد من المستشرقين المغرضين. وعلى الرغم من تعدد طبعاته فإن القائمين على طبعه لم يتلافوا المآخذ التي دأب الباحثون على كشفها فيه طوال هذه السنين العديدة.
ولقد أدخلت عليه تحسينات كثيرة فحفل بالصور والجداول والخرائط وكتبت المواد في أول السطر باللون الأحمر وألحق به معجم للآداب والعلوم حوى تراجم لأعلام الشرق والغرب صنعه الأب فرديناند توتل سنة 1956م فصار المنجد في طليعة المعاجم العربية الحديثة تنظيماً وأيسرها تناولاً وأكثرها انتشاراً مع ما فيه من مآخذ.
أقرب الموارد في فصح العربية والشوارد – سعيد الخوريّ الشرتونيّ
ألفه عام 1307هـ - 1889م
جمع فيه الكثير ممّا ورد في المعاجم العربية القديمة، ولكنّه جعل القاموس المحيط عِماداً له مع اختصاره ما ورد فيه وحذفه ما رأى الاستغناء عنه، ورجع إلى المعاجم الحديثة كمعجم البستاني، وبعض معاجم المستشرقين.
متن اللغة ـ أحمد رضا العاملي (ألفه 1958)
ألفه الشيخ أحمد رضا العاملي، عضو المجمع العربي في دمشق سابقاً، بتكليف من مجمعه. ويبدو أنه أخذ بتوجيهات مجمعه عند تأليف معجمه فجاءت محتويات كل مادة من مواده مرتبة ترتيباً دقيقاً. إذ قدم الأفعال على الأسماء وبدأ بالمجرد من الأفعال فرتبها بحسب تسلسل أبوابها الستة المعروفة ورتب المزيد منها ترتيباً خاصاً وفي الأسماء قدم الثلاثي المجرد، ثم المضاعف الرباعي. وقد عوّل في تفسير الشرح على معاجم الأقدمين المطولة بادئا بلسان العرب ثم القاموس وشرحه التاج، ثم ينظر بعد ذلك في أساس البلاغة للزمخشري ومختار الصحاح للرازي والمصباح المنير للفيومي. معرضاً عن المعاجم الحديثة كيلا تتسرب أخطاؤها إلى صنيعة غير أنه أفاد كثيراً مما فيها من مظاهر التنظيم.
ويتميز هذا المعجم بخلوه من الشوائب كاختلاف العبارات، وأشار في الهامش إلى العامي الذي يمكن رده إلى الفصيح. وحرص على ذكر المجاز إلى جانب الحقيقة. وأدخل الألفاظ المستحدثة والصيغ التي أقرها كل من المجمعين اللغويين في القاهرة.
المعجم الوسيط - مجمع اللغة العربية بالقاهرة
المعجم الوسيط معجم حديث تولى إصداره مجمع اللغة العربية بالقاهرة، فاضطلع بإعداده، في طبعته الأولى سنة 1380 هـ، إبراهيم مصطفى، وأحمد حسن الزيات، وحامد عبد القادر، ومحمد علي النجار، وتولى إخراجه في طبعته الثانية، سنة 1392 هـ، إبراهيم أنيس، وعبد الحليم منتصر، وعطية الصوالحي، ومحمد خلف الله أحمد. وقد اهتم باللغة قديمها وحديثها، وتوسع في المصطلحات العلمية والأدبية والفنية، وكثير من ألفاظ الحضارة، والكلمات المولدة، والمحدثة، والدخيلة. يضم هذا المعجم 7000 مادة، 450000 كلمة، وستمائة صورة، في أكثر من ألف صفحة. وقد تخففت اللجنة التي أعدته من كثير من الألفاظ الحوشية الجافة، وحذفت جزءا من المترادفات.
وقد ذكر إبراهيم مدكور في تصديره للطبعة الثانية أن المجمع قد انتهج منهجا ينسجم مع طبيعة العربية الاشتقاقية التي تقوم على أُسرٍ من الكلمات تعود إلى جذور ومواد عامة. واستبعد فكرة الترتيب الأبجدي الصِّرف الذي يلتزم بتركيب الكلمة بقطع النظر عن أصلها؛ لأن هذا، في نظره، يشتت وحدة المادة اللغوية، ويطمس أصول الدلالات، ويضعف فقه المفردات. ولكن المعجم التزم الترتيب الهجائي اللفظي في الكلمات المعربة، وفي بعض الألفاظ العربية الخفية الأصل محيلا إلى مواضع ترتيب موادها الأصلية في المعجم.
المعجم اللغويّ التاريخيّ – المستشرق الألماني فيشر:
تُعدّ تجربة فيشر تجربةً فريدةً في ميدان صناعة المعجم العربي، فمنهجه في المعجم قائمٌ على تتبّع الكلمة من أقدم العصور، برصد تطوّر دلالاتها عبر التاريخ.
وممّا يؤسف له أن فيشر بدأ بمعجمه ولكنّه مات في بداية عمله، لكنّ منهجه فيه كان واضحاً في مقدمة الجزء المطبوع منه، ولذا فسنتعرف على منهجه منها.
ما طبع من معجم فيشر:
طبع جزء من المعجم من أول حرف الهمزة إلى (أبد) بعنوان (لمعجم اللغويّ التاريخي)، ذهب أربع وثلاثون صفحة منه في المقدمة، وجاء المنشور من حرف الهمزة في ثلاث وخمسين صفحة، ذهب عشرون منها في الحديث عن أنواع الهمزة، والباقي منه في كلمات أعجميّة وعربيّة، ولذا فهو نموذج قصير، لقلة الألفاظ الغنيّة فيه.
المنهج التاريخي في صناعة معجمه:
يمثّل سلوك المنهج التاريخي الهدفَ الرئيس في معجم فيشر، فقد كان صاحب التجربة الناضجة الأولى بين معاجم العربيّة، ولذا أدار حول هذا الأمر الحديث في عدة مواضع من مقدمته، شأن أي صاحب دعوة جديدة يدعو إلى نظريته.
ونستخلص ممّا ذكره من إشاراتٍ أسسَ نظريته في صناعة معجمه، على النحو التالي:
الأول: مادّة المعجم:
مادّة المعجم تُعدّ الأساس لبناء أيّ معجم، وفيشر في مقدمته ذكر بداية الحدّ الزمني لمادّة معجمه ونهايته، فهو معجم تاريخي للعربيّة حتى نهاية القرن الثالث الهجري، أمّا بداية استشهاده فبنقش النمارة من القرن الرابع الميلادي.
وفي الزمان الذي حدّد بدايته ونهايته ذهب إلى أنّ كلّ الكلمات التي جاءت في الآداب العربيّة في تلك الفترة يتناول بحث تاريخها.
وبالاطّلاع على مصادر المعجم التي ذكرها في المقدمة مختصرة نتعرّف على مادّته، حيث ذهب إلى عدم الاقتصار على معاجم اللغة، وإنما تؤخذ اللغة من المصادر المختلفة، من القرآن، الحديث، الشعر، الأمثال، المؤلفات التاريخيّة والجغرافيّة، كتب الأدب، الكتابات المنقوشة، مخطوطات البَرْديّ والنقود، واستثنى منها الكتب الفنيّة مع أخذه المصطلحات منها.
أمّا المعاجم العربيّة فيرجع إليها في ألفاظ لم يجد لها شواهد فيما رجع إليه من كتب، إذا تبين له أنّ تلك الألفاظ ليست من عصور متأخرة، وعلّل وجود تلك الألفاظ دون شواهدها في المعاجم بوجود الشواهد أمام المعجميين عند تأليفها، إلا أنها فُقدت بعد ذلك، ولذا مال إلى الأخذ من المعاجم لكونها الوسيط الناقل مع فقد المنقول عنه.
وفي معجمه كان يذكر اللفظ أو التعبير واسم المعجم المنقول منه.
الثاني: المداخل:
فرّق فيشر بين المداخل العربيّة والمعرّبة، أما المداخل العربيّة فسار بها على طريقة المعجميين العرب، بجعل المادّة المجرّدة من الزوائد مدخلاً، ومشتقّاتها تحتها، وكذا الكلمات الأعجمية التي تصرّف بها العرب بالاشتقاق.
أما الأعجمية التي لم يتصرّف بها العرب فجعل لكلّ كلمة مدخلاً خاصّاً بها على الصورة التي هي عليها.
ترتيب المداخل:
يشمل الترتيب في المعجم ترتيبين:
ترتيب خارجي للمداخل، وترتيب داخلي للمشتقات فيها، ونبّه فيشر إلى الترتيبين على النحو الآتي:
ترتيب المداخل بمراعاة الحرف الأول والثاني والثالث، وأشار إلى ترتيب اللسان والقاموس ونحوهما بأنه ليس حسناً لسببين:
- لوقوع اللبس عندما يكون الحرف الأخير حرف علة.
- لكثرة وقوع الحرف الأخير غير أصلي مثل أخ وأب وابن واست وماء، من: أخو و أبو و بنو و سته و موه، ولصعوبة ترتيب الكلمات الأحاديّة والثنائيّة مثل حروف المعاني والضمائر.
ترتيب المشتقات: بدأ فيشر في ترتيبه المشتقّات بالفعل المجرّد ثمّ المزيد بحرف ثمّ بحرفين ثمّ بثلاثة أحرف.
وتكون أبنية الأفعال على الترتيب التالي:
فَعَل، فَعِل، فَعُل، فَعّل، فاعَل، أفْعَلَ، تَفَعّلَ، تَفاعَل، انْفَعَل، افْتَعَل، افْعَلّ، استفعل، افْعالّ، افْعَوْعَل، افْعَوّلَ، افْعَنْلَلَ، افْعَنْلى.
ثمّ الأسماء بعد الأفعال على ترتيب الأفعال: المجرّد ثمّ المزيد، وهكذا، وتكون أبنية الأسماء على الترتيب التالي:
فَعْل، فِعْل، فُعْل، فَعَل، فَعِل، فِعَل، فِعِل، فُعُل، فُعَل، فَعُل، فاعِل، فاعَل، فعَال.
ومن الأمثلة على الترتيب الداخلي:
¨ مادّة ( أبب ): بدأ بـ ( أبَّ ) ثمّ ( إيتبّ ) ثمّ الأسماء ( أَبّ ) ثمّ ( أُباب ) ثمّ ( أَبابة وإبابة ) ثمّ (إبّان).
¨ مادّة ( أبد ): بدأ بذكر أصلها السامي، ثمّ بدأ بالمشتقات: ( أَبَدَ ) ثمّ (أَبِدَ) ثمّ ( أَبّدَ ) ثمّ الخماسي: ( تَأبّدَ ) ثمّ الأسماء: ( إبْد ) ثمّ ( أَبَد ) ثمّ ( أَبِدٌ ) ثمّ (إِبِدٌ ) ثمّ ( إِبِدَة، أَبِدَة ) ثمّ ( أَبَدِيّ ) ثمّ ( أَبَدِيّة ) ثمّ ( آبِد ) ثمّ ( أبيد ) ثمّ ( أَبُود ) ثمّ ( أيبد ) ثمّ ( مؤبّد ) ثمّ ( متأبّد ).
المعجم الكبيرـ مجمع اللغة العربية بالقاهرة
كان من أهداف مجمع اللغة العربية تصنيف معجمٍ يتتبّع معاني الكلمة عبر عصور العربية، ويرصد معانيها المختلفة والتطورات التي أصابتها، وقد جاء المعجم الكبير تلبيةً لهذا الهدف، وصدر منه بعض أجزائه، وما زال العمل مستمرّاً فيه، والأجزاء التي صدرت جاءت على النحو التالي:
صدر الجزء الأول عام 1390هـ - 1970م (حرف الهمزة)
والجزء الثاني عام 1402هـ - 1982م (حرف الباء)
والجزء الثالث عام 1412هـ - 1992م (حرفا التاء والثاء)
والجزء الرابع عام 1420هـ - 2000م (حرف الجيم).
ويتضح من المقدمة أن المجمع كان قد رمى إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية.
(أ) دقة الترتيب: إذ اختار ترتيب الأساس أي الترتيب الهجائي (الألفبائي) ابتداء من الحرف الأصلي الأول من أحرف الألفاظ إلى آخر حرف فيها. أما الألفاظ الدخيلة (غير العربية) التي لم يشتق العرب منها فقد اعتبرت جميع أحرفها أصيلة فلفظ مثل إستبرق وضع في الهمزة وما تلاها من أحرف اللفظ بحسب ترتيبها. ولقد رتبت كل مادة ترتيباً دقيقاً شاملاً فقسمت إلى ستة أقسام هي:
1 - نظائرها في اللغات السامية.
2 - معانيها الكلية أو العامة.
3 - أفعالها.
4 - مصادرها.
5 - مشتقاتها.
6 - الأسماء.
ولم يهمل من هذه الأقسام إلا ما ليس له وجود في اللغة، والتزم في ترتيب المعاني والأفعال والأسماء بما التزم به في المعجم الوسيط من تقديم المعاني الأصلية على الفرعية والحسية على المعنوية وتقديم المجرد من الأفعال على المزيد واللازم على المتعدى.
ورتبت الأسماء بحسب أسبقية أوائلها في الترتيب الهجائي. كما رتبت الشواهد بحسب قدمها.
واستخدم الرموز الدالة بغية الإيجاز وفسّر المواد بعبارات واضحة موجزة دقيقة.
(ب) الإحاطة اللغوية: – تلك الإحاطة القائمة على الاستيعاب وتصوير المادة تصويراً كاملاً في جميع الأزمنة والأمكنة التي عاشت فيها، فبحث عن المواد في المعاجم القديمة وتجاوزها إلى كتب الأدب والعلوم ولم يشر إلى غير ما انفرد منها بشيء مما أخذه. وأكمل اشتقاقات بعض المواد التي سمعت طائفة من اشتقاقاتها ولم تسمع بقيتها. وأقر تعريب المحدثين: فجاء المعجم شاملاً لما يريده الباحث من ألفاظ القدماء والمحدثين ودلالاتها إلى عصرنا الحاضر.
(جـ) موسوعية التأليف المعجمي: وقد تمثلت في تقديم ألوان من المعارف والعلوم تحت أسماء المصطلحات والأعلام جميع المصطلحات القديمة وما أقره المجمع من مصطلحات حديثة وما كان وثيق الصلة بالاستعمال الأدبي واللغوي وأورد الأعلام العربية وكل ما له من أهمية تأريخية أو أدبية وفسر هذه الألوان من المعارف والعلوم بدقة ووضوح وإيجاز.
والحق أن المجمع في عمله كان قد طبق منهج المستشرق الألماني فيشر في معجمه (المعجم اللغوي التاريخي) الذي تولى مجمع اللغة العربية في القاهرة نشر مقدمته وقسم من باب الهمزة (ينتهي بمادة (أبد).) ويظهر – كما ذهب الدكتور إبراهيم مدكور – أن فيشر كان قد احتذى منهج معجم أكسفورد وأراد أن يطبقه على العربية.
طريقة البحث في معاجم التقفية (القاموس المحيط أنموذجا)
ترتيب القاموس وكيفية الكشف عن الكلمة فيه:
رُتب القاموس المحيط حسب أواخر مواده المجردة من الزوائد، فقُسم إلى 28 بابا، وجُعل الواو والياء في باب واحد. وقُسم كل باب إلى فصول مرتبة ألفبائيا حسب الحرف الأول من مواد كل منها، ثم الثاني، فالثالث، وهكذا إذا كانت الكلمة رباعية أو خماسية.
اختصارات القاموس المحيط:
قد قام الفيروزآبادي باستخدام عبارات مختصرة ورموز في شرحه، فاستخدم الرموز التالية:
ج: جمع
جج: جمع الجمع
ججج: جمع جمع الجمع
د: بلد
ع: موضع
م: معروف
ة: قرية
وتشير عبارة (وهي) لصيغة المؤنث إذا تقدمها ذكر لفظ المذكر، مثل: الذئب: ذكر كلب البر، ج: أذؤب وذئاب وذؤبان، وهي بهاء [أي ذئبة].
الكشف عن الكلمة في القاموس المحيط:
للكشف عن كلمة معينة في القاموس المحيط، تُتبع الخطوات التالية:
(أ) تجرد الكلمة وترد على أصلها بأن:
1- تجرد الكلمة من الضمائر المتصلة، نحو: (سمعـ(تَُِ) ، سمعتـ(ما)، سمعـ(تم)، سمعـ(تن)، (سمعـَْ(نا)، سمعَـ(نِي)، سمِعـ(وا)، سمعَـ(ـه)، سمعَـ(ها) سمعَـ(هم)، سمعـَ(هما)، سمعـ(هن).
2- تجرد الكلمة من حروف الزيادة، نحو:
- حروف المضارعة: (أ)كتب، (تـ)كتب، (يـ)كتب، (نـ)كتب.
- همزة فعل الأمر: اُكتب.