ألا ليتَ شِعْري هلْ أبِيتَنَّ ليلةً = على حَذَرٍ مِنها وأمْريَ مُبْرَمُ
وهلْ أرِدَنْ ماءَ الحياةِ وأرْتَوِي = عَلى ظمإٍ مِن حوضِهِ وهوَ مُفْعَمُ
وهلْ تَبْدُوَنْ أعلامُها بعدَما سَفَتْ = على رَبْعِها تِلكَ السَّوافِي فَتُعْلَمُ
وهلْ أفرِشَنْ خدِّي ثَرَى عتَبَاتِهِمْ = خُضُوعًا لَهم كَيْما يَرِقُّوا ويَرْحَمُوا
وهلْ أرْمِيَنْ نفسِي طرِيحًا ببابِهم = وطَيْرُ منايا الحبِّ فوقي تُحَوِّمُ
فيا أسفِي تفنَى الحياةُ وتنقضي = وذا العتْبُ باقٍ ما بَقِيتُمْ وعِشْتُمُ
فما منكمُ بُدٌّ ولا عنكم غِنًى = ومالِيَ مِن صَبْرٍ فأسْلُوَ عنْكُمُو
ومَن شاءَ فلْيَغْضَبْ سواكُم فلا أذًى = إذا كنتمُو عن عبْدِكُمْ قدْ رَضِيتُمُو
وعُقْبَى اصْطِباري فِي هَواكُم حميدةٌ = ولكنها عنكمْ عِقابٌ ومَأثَمُ
وما أنا بالشاكي لما ترتَضونَهُ = ولكنَّنِي أرضَى به و أُسَلِّمُ
وحَسْبِي انْتِسابي مِن بُعَيْدٍ إلَيْكُمُو = ألا إنهُ حظٌّ عظيمٌ مُفْخَّمُ
إذا قيلَ هذا عبدُهُم ومُحِبُّهُم = تَهَلَّلَ بِشْرًا وجهُهُ يَتَبَسَّمُ
وها هو قد أبدَى الضراعةَ سائلا = لكمْ بِلِسانِ الحالِ والقالِ مُعْلِمُ
أحِبَّتَهُ عَطْفًا عليهِ فإنهُ = لَفِي ظمأٍ والموردُ العَذْبُ أنْتُمُو
فَيَا ساهِيا في غمْرَةِ الجهلِ والهَوَى = صريعَ الأماني عن قَريبٍ ستَنْدَمُ
أفِقْ قد دَنا الوقتُ الذي ليْس بَعدَهُ = سِوى جنةِ أو حرِّ نار تضرَّمُ
وبالسُّنَّة الغرَّاء كنْ متمسِّكًا = هي العُرْوةُ الوُثقى التي ليْس تُفْصَمُ
تمَسَّكْ بها مَسْكَ البخيلِ بِمالِهِ = وعَضَّ عليها بالنواجِذِ تسْلَمُ
وَدَعْ عنكَ ما قد أحدثَ الناسُ بَعدَها = فمَرْتعُ هاتيكَ الحوادثِ أوْخَمُ
وهَيِّئْ جوابًا عندما تسمعُ النِّدا = مِن اللهِ يومَ العرضِ ماذا أجبْتُمُو
بِهِ رُسُلي لَمّا أتوْكُمْ فمَنْ يَكُنْ = أجابَ سِواهمْ سوف يُخْزَى ويَنْدَمُ
وخُذ مِن تُقى الرحمنِ أعظمَ جُنَّةٍ = ليومٍ بِهِ تبدو عَيَانًا جهنمُ
ويُنْصَبُ ذاكَ الجسرُ من فوق مَتْنِها = فهاوٍ ومَخدوشٌ وناجٍ مُسَلَّمُ
ويأتي إلَهُ العالمين لِوعْدِهِ = فيفْصِلُ ما بين العبادِ ويَحْكُمُ
ويأخذُ لِلمظلومِ ربُّكَ حَقَََّهُ = فيا بُؤْسَ عَبْدٍ للخلائقِ يَظْلِمُ
ويُنْشَر دِيوانُ الحسابِ وتوضعُ الْـ = ـموازينُ بالقِسط الذي ليس يَظلِمُ
فلا مُجرمٌ يَخشَى ظلامةَ ذرَّةٍ = ولا مُحسِنٌ مِن أجرِهِ ذاكَ يُهْضَمُ
وتشهَدُ أعضاءُ المسيءِ بما جَنَى = كذاكَ على فِيهِ المهيمنُ يَختِمُ
فياليْتَ شِعري كيفَ حالكُ عندَما = تطايَرُ كُتبُ العالمينَ وتُقسَمُ
أتأخذُ باليُمنَى كتابَكَ أمْ تَكُنْ = بِالاْخْرَى وراءَ الظَّهْرِ منكَ تُسَلَّمُ
وتقرأُ فيه كلَّ شيءٍ عمِلْتَهُ = فيُشْرِقُ منكَ الوَجْهُ أو هُوَ يُظْلِمُ
تقولُ كتابِي فاقرؤُوهُ فإنهُ = يُبَشِّرُ بالفوزِ العظيمِ ويُعْلِمُ
وإنْ تكنِ الأخرى فإنكَ قائلٌ = ألَا ليتنِي لَمْ أوتَهْ فهو مُغْرَمُ
فبادِر إذا مادام في العمر فُسْحَةٌ = وعَدْلُكَ مقبولٌ وصرْفُكَ قيِّمُ
وَجِدَّ وسارِعْ واغتَنِمْ زمَنَ الصِّبا = ففي زمن الإمْكانِ تسْعَى وتَغْنَمُ
وسِر مُسْرِعًا فالسَّيْرُ خلفَكَ مُسْرِعًا = وهيهاتَ ما منهُ مَفَرٌّ ومَهْزَمُ
فهُنَّ المنايا أيَّ وادٍ نَزَلْتَهُ = عليها القُدُومُ أو عليكَ ستَقْدمُ
وَمَا ذاكَ إلا غيْرةً أن ينالَها = سِوَى كُفئِها والربُّ بالخَلْقِ أعْلَمُ
وإنْ حُجِبَتْ عنَّا بكلِّ كريهةٍ = وحُفَّتْ بما يؤذي النفوسَ ويُؤلِمُ
فَلِلهِ ما في حَشْوِها مِن مَسرَّةٍ = وأصنافِ لذَّاتٍ بِها نَتَنَعَّمُ
ولله بَرْدُ العيشِ بينَ خِيامِها = ورَوضاتِها والثغرُ في الروضِ يَبْسُمُ
فَلِلَّهِ واديها الذي هوَ موعدُ الْـ = ـمَزيدِ لِوَفدِ الحُبِّ لو كنتَ مِنهمُ
بِذيَّالِكَ الوادي يَهيمُ صَبابَةً = مُحِبٌّ يرى أن الصَّبابَةَ مغنَمُ
وَلله أفراحُ المحُِبين عندما = يُخاطِبُهُم مِن فوقِهم ويُسَلِّمُ
ولله أبصارٌ ترى اللهَ جَهرةً = فلا الضَّيْمُ يَغْشاها ولا هي تَسْأمُ
فيا نَظرةً أهْدَتْ إلى القلب نَضْرَةً = أمِنْ بَعْدِها يَسْلو المحُبُّ المتيَّمُ
ولله كمْ مِن خَيْرَةٍ لو تَبَسَّمَتْ = أضاءَ لَها نورٌ مِن الفَجْرِ أعظَمُ
فيَا لذةَ الأبْصارِ إنْ هِيَ أقبَلَتْ = ويا لذَّةَ الأسْماعِ حينَ تَكَلَّمُ
ويا خَجْلَةَ الغُصْنِ الرطيبِ إذا انْثَنَتْ = ويا خَجْلَةَ البَحرَيْنِ حين تَبَسَّمُ
فإن كنتَ ذا قلبٍ عليلٍ بِحُبِّها = فلم يبقَ إلا وصْلُها لكَ مَرْهَمٌ
ولا سِيَّما في لَثْمِها عندَ ضمِّها = وقد صارَ منها تحتَ جيدِكَ مِعْصَمُ
يَراها إذا أبْدَتْ لهُ حُسْنَ وجْهها = يلذُّ بِها قبلَ الوِصالِ ويَنْعَمُ
تفَكَّهُ منها العينُ عند اجتِلائِها = فواكهَ شتَّى طلعُها ليس يُعْدَمُ
عناقِدَ مِن كرْمٍ وتُفّاحَ جنَّةٍ = ورُمانَ أغْصانٍ بِها القلبُ مُغْرَمُ
ولِلوَرْدِ ما قدْ ألْبَسَتْهُ خُدودها = ولِلخَمْرِ ما قد ضمَّهُ الرِّيقُ والفَمُ
تَقَسَّمَ منها الحُسْنُ في جَمْعِ واحِدٍ = فيَا عَجَبًا مِن واحِدٍ يَتَقَسَّمُ
تُذكِّرُ بالرحمنِ مَن هو ناظرٌ = بِجملتِها أنَّ السُّلُوَّ مُحَرَّمُ
لَها فِرَقٌ شَتَّى مِنَ الحُسْنِ أُجْمِعَتْ = فينطِقُ بالتَّسبيحِ لا يَتَلَعْثَمُ
إذا قابلتْ جيشَ الهُمومِ بِوجْهها = تولىَّ على أعقابِه الجيشُ يُهْزَمُ
ولَمّا جرَى ماءُ الشبابِ بِغُصْنِها = تَيَقَنّ حقًّا أنَّهُ ليسَ يُهْزَمُ
فيَا خاطبَ الحسْناءِ إنْ كُنْتَ راغِبًا = فهذا زمانُ المَهْرِ فهو المقدَّمُ
وكنْ مُبْغِضًا للخائناتِ لحبِّها = فتحظى بِها مِن دونِهنَّ وتنعمُ
وكنْ أيّمًا مما سواها فإنها = لِمثلكَ في جناتِ عدن تأيّمُ
وصمْ يومَك الأدْنى لعلكَ في غدٍ = تفوزُ بِعِيدِ الفِطْرِ والناسُ صُوَّمُ
وأقدِمْ ولا تقْنَعْ بعَيْشٍ مُنَغَّصٍ = فما فازَ باللذاتِ مَن ليس يقدمُ
وإن ضاقتِ الدنيا عليكَ بأسرِها = ولم يكُ فيها منزلٌ لكَ يُعلَمُ
فحيَّ على جناتِ عدْنٍ فإنَّها = منازلكَ الأولى وفيها المخيَّمُ
ولكننا سَبْيُ العدوِّ فهل ترى = نعودُ إلى أوطانِنا ونسلَّمُ
وقد زعموا أن الغريبَ إذا نأى = وشطَّتْ به أوطانُه فهو مؤلم
وأيُّ اغترابٍ فوق غربَتِنا التي = لها أضحتِ الأعداءُ فينا تَحَكَّمُ
وحيَّ على روضاتِها وخيامِها = وحيَّ على عيشٍ بها ليسَ يُسْأمُ
وحيَّ على السوقِ الذي فيه يلتقِي الْـ = ـمُحِبُّون ذاكَ السوق للقومِ يُعلَمُ
فما شئتَ خذْ منه بلا ثمنٍ له = فقد أسلفَ التجار فيه وأسلمُوا
وحيَّ على يومِ المزيدِ الذي به = زيارةُ ربِّ العرشِ فاليوم موسِمُ
وحيّ على وادٍ هنالكَ أفْيَح = وتُرْبَتُهُ مِن أذفرِ المِسكِ أعظَمُ
منابر مِن نورٍ هناك وفضةٍ = ومن خالِصِ العِقْيانِ لا تتفصَّمُ
ومِنْ حوْلِها كثبانُ مِسْكٍ مقاعدٌ = لمِن دونهم هذا العطاءُ المفخَّمُ
يرونَ به الرحمنَ جلَّ جلالُه = كرؤيةِ بدرِ التَّمِّ لا يُتَوَهَّمُ
وكالشمسِ صحْوًا ليس مِن دون أفْقِها = سحابٌ ولا غيمٌ هناكَ يغيّمُ
فبينا همُ في عيشِهِم وسرورِهم = وأرزاقُهُم تجرى عليهِمْ وتُقْسَمُ
إذا همْ بنور ساطعٍ قد بدا لهمْ = سلامٌ عليكم طبْتُم ونَعِمْتُمُ
سلامٌ عليكمْ يَسمعونَ جميعُهُم = بآذانِهم تسليمُهُ إذْ يُسَلِّمُ
يقولُ : سلوني ما اشْتَهَيْتُمْ فكلُّ ما = تُريدون عِندي إنني أنا أرْحَمُ
فقالوا جميعًا نحن نسألكَ الرِّضا = فأنتَ الذي تُولي الجميلَ وتَرْحَمُ
فيُعطيهمُ هذا ويُشهِدُ جَمْعَهمْ = عليهِ تعالى اللهُ فاللهُ أكرمُ
فَبِاللهِ ما عُذْرُ امرئٍ هو مؤمنٌ = بِهذا ولا يَسعى له ويقدّمُ
ولكنما التوفيقُ بالله إنَّهُ = يَخصُّ به مَنْ شاءَ فضلا ويُنْعِمُ
فيا بائِعًا هذا بِبَخْسٍ مُعَجَّلٍ = كأنكَ لا تدري بل سوفَ تَعْلَمُ
فقدِّمْ فدَتْكَ النفسُ نفسَكَ إنَّها = هي الثمنُ المَبْذولُ حين تُسَلّمُ
وخضْ غَمَراتِ الموتِ وارْقَ معارجَ الْـ = ـمحبَّةِ في مرضاتِهم تتسَنَّمُ
وسلِّمْ لَهُم ما عاقَدُوكَ عليهِ إنْ = تُرِدْ منهُمُو أن يَبْذُلُوا ويُسَلِّمُوا
فما ظفرتْ بالوصْلِ نفسٌ مَهِينَةٌ = ولا فازَ عبْدٌ بالبَطالَةِ يَنْعَمُ
وإنْ تكُ قد عاقَتْكَ سُعْدَى فقَلْبُكَ الْـ = ـمُعَنَّى رهينٌ في يَدَيْها مُسَلَّمُ
وقد ساعدتْ بالوصل غيرَكَ فَالهوى = لها مِنْكَ والواشِي بِها يَتَنَعَّمُ
فدَعْها وسَلِّ النفسَ عنها بِجَنَّةٍ = من العِلم في روضاتِها الحقّ يَبسُمُ
وقد ذُلِّلَتْ منها القُطُوفُ فمَنْ يُرِدْ = جَناها يَنَلْهُ كيف شاءَ ويَطْعَمُ
وقد فُتِحَتْ أبْوابُها وتَزَيَّنَتْ = لِخُطّابِها فالحسْنُ فيها مُقسّمُ
وقدْ طابَ منها نُزْلُها ونَزيلُها = فطوبَى لِمَنْ حلُّوا بِها وتنَعَّمُوا
أقامَ على أبوابِها داعِي الهُدَى = هَلُمُّوا إلى دارِ السّعادةِ تَغْنَمُوا
وقد غرسَ الرحمنُ فيها غِراسَهُ = مِن الناسِ والرحمنُ بالخَلْقِ أعْلَمُ
ومَن يَغْرِسِ الرحمنُ فيها فإنَّه = سعيدٌ وإلا فالشَّقاءُ مُحَتَّمُ