ابن زيدون
(394 هـ ـ463 هـ)
أبو الوليد، أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي. ولد بقرطبة عام 394 هـ. وكان والده قاضياً في قرطبة، ومن أهل اليسار والمكانة، فعنى بتربية ابنه وتعليمه، فحفظ القرآن الكريم، وروى الحديث الشريف، وطلب الفقه، وتعمق في الأدب، فكان يحفظ الشعر الكثير في صغره، ويُعنى بأمثال العرب وحكمهم وتاريخهم، مما كان له أكبر الأثر في شعره ونثره.
وامتاز بالذكاء وسرعة البديهة والثقة بالنفس والاعتداد بالأدب. وقد عاش في آخر أيام الدولة الأموية بالأندلس، وفي عصر كثرت فيه الاضطرابات والفتن، وقد شارك في أحداث عصره مشاركة فعالة، فكان من أنصار ابن جهور ومؤيديه، وشارك في الفتنة التي أدت إلى سقوط الأمويين في قرطبة.
وبعد استيلاء أبي الحزم بن جهور على قرطبة أصبح ابن زيدون من المقربين إليه حتى صار وزيره عام 422 هـ ومستشاره في الحكم وتدبير المملكة، وكان يتولى الكتابة له والسفارة بينه وبين أمراء الأندلس حتى لقب "بذي الوزارتين".
ولكن أعداء الشاعر وحساده استطاعوا أن يكيدوا له عند الوزير ابن جهور؛ فانقلب عليه وسجنه، وأذاقه أصنافاً من العذاب والهوان، وظل ابن زيدون في سجنه يحاول الهرب مرة، ويحاول استعمالة ابن جهور للعفو عنه مرة أخرى، ولذا كتب وهو في السجن الرسالة الجدية في مدح ابن جهور، ولكنها لم تؤثر فاضطر إلى الهرب من السجن.
والدارس لشعر ابن زيدون أثناء سجنه يلاحظ أن السجن قد ألهمه نفثات من عيون الشعر، وأنه لم تلن له قناة، ولم يضعف له رأي، حتى إن قصائده التي كتبها في استعطاف ابن جهور مليئة بالكبرياء والعزة والأنفة، وهي إلى الفخر أقرب منها إلى إلاستعطاف.
وبعد أن فر من سجن ابن جهور اختفى في نواحي قرطبة، وأخذ يكتب الرسائل والأشعار لعل ابن جهور يعفو عنه، وكان ذا صلة قوية بأبي الوليد بن جهور، فاستطاع أبو الوليد التأثير على والده أبي الحزم، فعفا أخيراً عن ابن زيدون، فعاد إلى قرطبة. وبعد ذلك توفى أبو الحزم ابن جهور، وأصبح ابنه أبو الوليد حاكما لقرطبة، فقرب صديقه ابن زيدون، ورفع من مقامه، ولكن الحال لم يدم على ذلك طويلا، إذ استطاع الوشاة والحاقدون أن يفسدوا العلاقة بين الصديقين، فآثر ابن زيدون هذه المرة أن ينتقل من قرطبة مختاراً قبل أن يخرج منها طريداً، فغادرها إلى إشبيلية عام 441 هـ.
وفي إشبيلية استقبله حاكمها المعتضد بن عباد أحسن استقبال، وعينه وزيراً له، ولقبه بذي الوزارتين أيضاً.
ثم توفي المعتضد وتولى الحكم بعده في إشبيلية ابنه الشاعر المشهور المعتمد ابن عباد، فقَرَّب ابن زيدون، وعرف له مكانته العلمية والأدبية. كيف لا وهو شاعر مثله؟ ومع ذلك فقد حاول الحساد الإِيقاع بينهما، وتولى كبر ذلك الشاعر الأندلسي ابن عمار، ولكن المعتمد بن عباد ظل محافظاً على صديقه ابن زيدون حتى توفي في إشبيلية في 15 رجب 463 هـ.
شخصيتـه:
من حديثنا الموجز عن أطوار حياته نلاحظ ما تعرض له الشاعر من مؤامرات ووشايات وتقلبات، ولكن تلك المحن والمصائب كشفت لنا عن شخصية ابن زيدون القوية المتماسكة التي لا تلين ولا تخضع؛ فقد سجن أكثر من مرة ولكنه ظل أبياً شجاعاً معتزاً بنفسه وشعره وأدبه.
كما أنه كان وفياً لأصدقائه ومحبيه؛ فصداقته لأبي الوليد بن جهور لم تضعف حتى أثناء سجن والده له، وحتى بعد فراره خارج قرطبة.
شــعره:
ابن زيدون أعظم شعراء الأندلس شأناً وأجلهم مقاماً، وقد قال الشعر في أغراض كثيرة كالغزل والمدح والرثاء والاستعطاف ووصف الطبيعة، وقد كان في مدحه لحكام الأندلس يركز على معاني الشجاعة والقوة، وكان يضع نفسه في مصاف ممدوحيه على طريقة المتنبي، لما كان يمتاز به من عزة النفس ورفعة الشأن.
وكذلك الأمر في قصائد الاستعطاف التي كتبها أثناء سجنه أو فراره من قرطبة، فقد كانت تعبر عن نفس أبية، لم تستطع القيود والسجون والتشرد أن تهزم كبرياءها، أو تلين قناتها، أو تذل صاحبها.
ويشغل فن الغزل حَيِّزاً كبيراً من ديوان الشاعر.
أما شعر الطبيعة فقد رسم ابن زيدون لطبيعة الأندلس الجميلة أحلى الصور وكثرها تعبيراً وروعة.
وقد امتاز شعره بالدقة في الوصف واختيار الألفاظ المعبرة والمحسنات البديعية التي تأتي من غير تكلف فتضفي على القصيدة جمالاً، يضاف إلى حسن اختياره للقوافي المعبرة والأوزان الشعرية المناسبة، حتى لقبه كثير من الأدباء (ببحتري المغرب) لصفاء شعره ورقته وسلاسته.
وقد كان لثقافته العربية العميقة أثر واضح في معانيه الشعرية؛ فقد استفاد من اطلاعه الواسع وحفظه لروائع الشعر العربي، فاستمد من كل ذلك معاني جميلة نثرها في ثانيا أشعاره، فكان يجمع بين المعنى العميق والتعبير الرشيق.