قراءة في روايزيتونة الشوارع
________________________________________
رواية(زيتون الشوارع) لإبراهيم نصر الله ملهاة الواقع المأساوي
رواية زيتون الشوارع للشاعر و الكاتب إبراهيم نصر الله رواية قدمت نفسها على أنها ملهاة فلسطينية وكنت أتسأل وأنا اقرأها ماذا تعني ملهاة وسط هذه الأحداث التراجيدية بل المأسوية فلماذا اختار الكاتب أن يسميها ملهاة هل هي ملهاة أم ماذا هل هي هروب أم رجوع للواقع ،للحقيقة ؟هل هي قناع أم ثواب جديد ترتديه الذات الفلسطينية للتعبير عن هويتها ؟ أخيرا قلت لنفسي ربما هو حس الشاعر الذي يروي؟
فالفن الروائي صار بمثابة الدليل السياحي الذي تقرا من خلاله تراث وحاضر المجتمعات والأوطان وهكذا كانت (زيتون الشوارع ) رواية ليست جديدة في موضوعها على قدر ما هي فريدة في تقنيات سردها وفنية إخراجها للأحداث ففيها شيء من الأصالة وآخر من العمق إنها نزوح نحو الواقع بل إجتراح الحقيقة التي كنا نراها ولكن بشيء من التجريد والوضوح وأكثر قرب من الإنسان الذي هو امتداد وصمود الكيان الفلسطيني .فماذا وراء النكبات وماذا وراء قضية الحرية ومعركة الأرض والحق المغتصب ؟ماذا خلف صبرا وشاتلا وغيرها من المجازر ؟ماذا يمكن أن يكون سوى رماد مشتعل وقلوب منطفئة وأهات مختنقة وحزن صامت وعيون شاخصة تبحث عن مرسى ولكن هل تصل ؟
هكذا كنت أقرا (زيتون الشوارع )فالعتبة (العنوان ) كما هو واضح اختيار لم يأتي عبثا بل جاء ليربط الزيتون (الأصل )بالشوارع (الأرض ) مؤكدا على أن الأنسان الفلسطيني هو امتداد لأرضه المسلوبة بل صاحب الحق .ولكن لماذا الزيتون ؟(الزيتون شيء آخر الست زينب قالت لي :كانت أم علاء الدين توبخنا إذا جاءت سيرت الموت على ألسنتنا في كروم الزيتون (هذا سيجعل الزهر يسقط ،الزيتونة كامرأة الحامل علينا أن لا نخيفها بمثل هذه الأحاديث )فاقتلاع الزيتون في الشوارع هو مرادف لاقتلاعنا نحن من جذور الأرض وحالة الحرب التي لا تنتهي هي حالة اللاسكون والخوف الذي يدوم ويتطور لينتج عنه حالة من الهذيان إنها ملهاة ولكن كيف تتفق الأحزان والمآسي مع الملهاة هذا ما يقدمه الروائي نصر الله في رواية 0زيتون الشوارع)(ملهاة فلسطينية )لأن حالة الاضطراب التي تسود الشارع الفلسطيني والأوضاع المقلوبة التي تحكم البشر هي نتيجة حتمية لخلق ملهاة تراجيدية فالحياة كما يرويها لنا جزء من العبث لا روابط ولا ول امتداد الكل يبحث في متاهة الواقع عن تفسير لهذه الحتمية التي وجدت الذات الفلسطينية نفسها ملزمة بقبولها ،وبعيدا عن تلك الشعارات وادعاءات الصمود كان لابد من ملامسة جروح الأغلبية الصامتة ففرحة الشهداء لن تشيع الناس ولن تحل المشاكل وقوة الصراع واحتدامه لن يلغي وجود الشر في تركيبة البشر حتى وإن كانوا هم جزء من الأرض المغتصبة في الصور التي قدمها الكاتب في روايته هي صور الناس البسطاء والعادين الذين لا نسمع أصواتهم في ظلام الاحتلال ( ست زينب ، سلوى ، حضرته، أيمن خميس ولينا ) نماذج بشرية تحكي الواقع المجرد والغير مبطن فالست زينب التي حكم عليها أن تكون بنت وزوجة شهيد لن تستطيع أن تفر من الحزن والألم ولا أن تعيش بشكل عادي لأن وسام الشهادة معلق في صدرها فذلك لن يجعلها تتغلب على كونها امرأة وتعاني مرارة الفقد، وسلوى التي تمثل الشخصية المحورية للرواية ليست هي الفتاة العادية التي مات حبيبها ومن قبله أهلها ومن بعدهم معانات الحرمان والظلم وقسوة البشر إنها سلوى ( الرمز ) لفلسطين (الأصل ) فالحكاية واحدة والصورة مماثلة ( سلوى التي روت حكايتها لتقرأها حكاية أخرى مزيفة ) وفلسطين المسلوبة من قرون بأوراق وحق مزيف الاثنان يلتقيان في نقطة الرواية الكاذبة ( ليلة كاملة بكيت فيها وأنا أقرأ صفحاتك أكثر مما بكيت في حياتي كلها ، أتعلم لماذا ؟ لأن فكرة الملجأ كذبة ، لا ملجأ لي الحكاية من وجهات نظر مختلفة تريد توخي الدقة ! هذه حياة وليست حكاية ) وفلسطين هي أيضاً ضحية من ( ينفضون أيديهم يحاولون الخروج من جرائمهم كالشعرة من العجين )
أخيراً …
كانت هذه قراءة في رواية (زيتون الشوارع) قراءة لم نطرق فيها باب الجمالي والأدبي على قدر ما حاولنا فيها تقصي الفكرة والمعنى عبر قراءة حسية امتزجت بها العاطفة باللفظ والدلالة بالنص فكل ما أستطيع قوله أن الرواية بلا زمن تخترق الماضي وتبحر في الحاضر ولكن بعيونٍ ثاقبة وروح قلقة تشاكس وتحاور الواقع المنتج وتهدف لخلق حالة سردية منفتحة على أحدث وأجمل تقنيات السرد الحديث فالرواية بحق كانت ذات سردية مغايرة تفرض تاريخيتها من لحظة القراءة التي يبدأ فيها القارئ قراءته وليس من لحظة الكتابة فالرواية باب مشرع على تعدد الروايات تبحر بها وكأنك قارئ بعدة لغات .
بقلم : شادية مصطفى الترك
