| عرض كتاب" تحقيق التراث العربي: منهجه و تطوره" | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
فراشة سوف مشرف ذهبي
عدد المساهمات : 6031 نقاط : 42012 السمعة : 171 تاريخ التسجيل : 11/07/2009 العمر : 33 الموقع : وادي سوف*الجزائر
| |
| |
فراشة سوف مشرف ذهبي
عدد المساهمات : 6031 نقاط : 42012 السمعة : 171 تاريخ التسجيل : 11/07/2009 العمر : 33 الموقع : وادي سوف*الجزائر
| موضوع: رد: عرض كتاب" تحقيق التراث العربي: منهجه و تطوره" الأربعاء 30 يونيو 2010, 5:55 pm | |
| تمهيد الكتاب
في التمهيد لكتابه، عرَّف الدكتور عبد المجيد دياب بالتراث لغةً و اصطلاحًا[1]، فالتراث في اللغة مأخوذٌ من الفعل ورث المبدلة التاء فيه من الواو. و أمَّا في الاصطلاح فهو:هو ما خلفته أجيال من العرب في ألوف الكتب و الرسائل...و هو تلك الآثار المكتوبة الموروثة التي حفظها لنا التاريخ كاملة، أو مبتورة، فوصلت إلينا في صورة كتب مخطوطة، أو لفائف أو كراسات.[2] و يبدو أنَّه اكتفى بحصر مفهوم التراث اصطلاحيًّا بما هو مكتوب. ثم درج يرصد ما تعرض له التراث العربي من نكبات و محن من مثل الغزو الصليبي و الفتن الداخلية. ثم يعرض لمفهوم تحقيق التراث، إذ إنَّه عملية مركبة معقدة، قام بها العلماء على مرِّ العصور، و هذه العملية تقتضي إخراج النص الأدبي كما صنعه مؤلفه، أو في أقرب صورة قاله عليها[3]. ثمَّ يتطرق إلى تحقيق النص الأدبي و بداياته منذ عهد اليونان، و أول من ألف في هذا الفن و مصنفاته و ما نُشر حوله من أبحاث و مقالات و كتب، ليصل بعد هذا التمهيد إلى أبواب الكتاب و فصوله التي استغرقت قواعد هذا الفن و تاريخه و منهجه و تطوره كما سنلاحظ.
الباب الأول : التحقيق عند القدماء يقسم هذا الباب إلى فصلين، يستعرض في أولهما التحقيق في عصر الرواية و التدوين، و في الثاني منهج التحقيق عند القدماء من العرب. و سنقف على كلا الفصلين لنبيِّن نهجه في الطرح و تتبعه لتاريخ التحقيق.
الفصل الأول : التحقيق في عصر الرواية و التدوين[4] يقدم الدكتور عبد المجيد دياب طرحًا تاريخيًّا للطريقة التي وصل بها الأدب الجاهلي ، شعرًا و نثرًا، إلينا. بادئًا بتعريف الرواية بالمفهوم الاصطلاحي و اللغوي. و لا ننسى أنَّ الرواية كما يقول عبد السلام هارون :" هي الطريقة البدائية للعلم عند جميع الشعوب"[5]. و لذلك فقد تحدث عن المراحل التي مرَّ بها مفهوم الرواية، فقد كانت في البداية مقتصرة على رواية الشعر، ثم جاءت بعد ذلك مرحلة رواية الحديث، و هنا كما يرى د/ عبد المجيد" دخلت الرواية الأدبية طورها الثاني، و هو ما يصلح أن نطلق عليه دور الرواية العلمية أو دور التحقيق"[6] أصبحت الرواية في دور الرواية العلمية أو دور التحقيق، تقوم على أمرين: 1- الحفظ و النقل و الإنشاد ( كالرواية في الدور الأول). 2- الضبط و التحقيق و التمحيص و الشرح و التفسير و شيء من الإسناد. ثم يتحدث بعد ذلك عن أوائل الرواة و كيفية رواية الشعر، و جمع الشعر الجاهلي و المقابلة بين روايات الأشعار. و أول تحقيق يتمثل في جمع القرآن و تحقيقه و تدوينه في عهد عثمان.تلا ذلك حركة جمع الشعر الجاهلي و تدوينه في النصف الثاني للقرن الأول. فالرواية العربية - كما جاء في تحقيق النصوص و نشرها- اقترنت منذ اللحظة الأولى بالحرص البالغ، و الدقة الكاملة و الأمانة[7]. و في إطار حديثه عن الروايات و اختلافها، ذكر الأسباب التي تؤدي إلى اختلاف الروايات و هي: 1- النسيان:فالأدب الجاهلي ظلَّ سنين طويلة يتناقله الرواة شفاها، و الحافظة كثيرًا ما تخطئ، و تضع كلمة مكان كلمة. 2- الشاعر يغيِّر: كان الشعراء أحياناً يغيرون ما يرون وجوب تغييره بعد أن يكون الرواة قد تناقلوا شعره. و يذكر مثلاً لذلك ببيت لذي الرمة[8]. 3- التحريف في القراءة: فقد كان العلماء أحياناً يأخذون من صحف غير منقوطة و لا مشكولة، فيقرؤها كلٌّ حسبما يصح عنده معناها. 4- خصائص اللهجات: فقد كان العرب ينشد بعضهم شعر بعض، و يجري كلٌّ منهم في النطق على طبعه و مقتضى فطرته اللغوية، فمن ثَمَّ يقع الاختلاف الصرفي و اللغوي الذي نراه في بعض الروايات. 5- الراوي يغير: كانت الرواة قديمًا تصلح أشعار الأوائل.فقد ضرب الدكتور دياب أمثلة على ذلك يبيِّن من خلالها أنَّ للرواة دوراً في تغيير ما ينقلونه من أشعار. 6- المؤلف يغيِّر: كان المؤلف يملي كتابه مرات عديدة و في كلِّ مرة يحدث في إملائه كثيرًا من التغيير. ممَّا يؤدي إلى اختلاف نسخ الكتاب. 7- تزيّد الرواة: يضرب لذلك أمثلة مما ورد في كتاب الشعر و الشعراء. ثم يتجه د/دياب إلى إبراز العلاقة بين رواية الأدب و رواية الحديث، بادئًا بالحديث عن تدوين الحديث ، ثم الفرق بين سند الحديث و سند الأدب و اللغة[9] ، ثم يعدد الأمور التي حملت الوضاعين على وضع الحديث؛ فمنها: الخصومات السياسية، و العصبية للبلد و الخلافات الكلامية، و الترغيب و الترهيب[10]. أعقب ذلك الحديث عن الرواية الأدبية، فذكر أخطاء الرواة و تعليقات العلماء عليهم ، ثم المح إلى ما تميز به علماء رواة الأدب من الدقة و مراعاة الأصول. و بيَّن أنَّ العلماء الأوائل لم يلتزموا الإسناد إلا نادرًا، ثم في فترات لاحقة ظهر الإسناد على نمط إسناد الأحاديث. و من أوجه التشابه بين علماء الحديث و علماء الأدب - على ما ذكر د/ دياب- احتجاب شخصية المؤلف، و كذا التزام شروط خاصة لراوي الأدب و اللغة على نحو ما فعل رجال الحديث[11]. و قد بيَّن باستفاضة وشائج القربى بين سند الأدب و اللغة و الحديث، و ذكر المقاييس المعتمدة في رواية الأدب، و ألفاظ الجرح عند رواة الحديث و الأدب[12].
التدوين: تحت هذا العنوان سرد د/ دياب قصة الكتابة و بداية التدوين، و تحدث عن النشأة الأولى للتدوين بدئًا من عهد الرسول r و ما تلا ذلك من عصور العربية الزاهرة، و هو يثبت أنَّ العرب مع فجر الإسلام عرفوا التدوين من خلال أمثلة طرحها، يقول:" فهذه أمثلة بيِّنة على أنَّ القوم قد عرفوا التدوين بالمعنى الذي نعرفه اليوم منذ صدر الإسلام"[13]. فلم يكن الاعتماد على الحفظ فقط، وقد مثَّل لذلك بما ورد من تسجيل بعض الأحاديث في زمن الرسول r .و أشار إلى موسوعية العلماء و عدم وجود التخصص الحاسم ، الأمر الذي جعل كتبهم تحوي المسائل المبعثرة، ثم يعرِّج على ذكر الأسباب التي دفعت العلماء للتدوين، و يشير إلى أنَّ بداية النهضة الحقيقية كانت زمن المنصور 143، و ذلك بطلبه إلى العلماء أن يجمعوا الأحاديث والفقه، و أوعز إلى المترجمين أن ينقلوا إلى العربية من كتب الألسنة الأخرى. و أشار إلى أسلوب التدوين في كل عصر إلى أن انتهى في هذا الفصل بتعريف المخطوطات. غيرَ أنَّه حصر مفهوم المخطوطات بما كان عربيًّا منها، و لا أدري لماذا ... يقول: "... المخطوط: الكتاب المخطوط بخط عربي سواء كان في شكل لفائف أو في شكل دفتر أو كتيِّب، أو كرَّاس، أو صحف، و أيا ما كان حجم هذا الكتاب"[14].
الفصل الثاني: منهج التحقيق عند القدماء من العرب يعرض د/ عبد المجيد في بداية هذا الفصل لجذور التحقيق مقارنًا أسس التحقيق المعاصر بموقف القدماء منه، فهو يرى أنَّ " تحقيق النصوص ليس من مبتدعات عصرنا الذي أخذ فيه المحققون بالنهج العلمي، و ليس من مبتدعات المستشرقين على إبداعهم و إجادتهم في نشر ذخائر التراث التراث العلمي العربي"[15] و هو في هذا يتابع رأي عبد السلام هارون و يوافقه[16] و يخالف رأي آخرين ممن أخذوا قواعد تحقيق النصوص من المستشرقين و زعموا أنَّ لهم فضلاً في ذلك، من مثل د/ صلاح الدين المنجد الذي يرد على من ينكر فضل المستشرقين في هذا العلم غامزاً إلى عبد السلام هارون،بل و يفخر أنَّه استقى قواعده التي يضمنها كتابه( قواعد تحقيق النصوص) من المستشرقين الألمان و يعيب على من أخفقوا في ذلك بأنَّه كان ينبغي عليهم اتباع منهج المستشرقين[17] . و الدكتور دياب يوضح وجهة نظره من ذلك بدقة يقول في حديثه عن المستشرقين في موضع آخر من الكتاب:" و لكي لا أغمطهم حقهم أقول : إنَّهم هم الذين أخذوا هذا المنهج عن العرب، فأحيوا به تراثهم، ثم نقلوه إلينا بعد أن أفادوا به و أضافوا إليه"[18]. و قوله هذا - من وجهة نظري- ليس بأشد حدة من قول رمضان عبد التواب في كتابه( مناهج تحقيق التراث بين القدامى و المحدثين) فهو يزعم أنَّ العرب قد سبقوا علماء أوربا إلى الاهتداء للقواعد التي يقابلون بها بين النصوص المختلفة، لتحقيق الرواية، و الوصول بتلك النصوص إلى الدرجة القصوى من الصحة، و يمثِّل لذلك بصنيع اليونيني في تحقيق روايات صحيح البخاري و غيره من الأمثلة[19] . و لكي لا يلقى الكلام على عواهنه، سار د/ دياب في خطوات أثبت فيها أسبقية العرب في ميدان التحقيق من خلال تطبيق أسس التحقيق المعاصرة على ما قام به القدماء، و نهج في ذلك سبيل التمثيل، فكان يذكر كلَّ أساس و يذكر مثالًا أو أكثر عليه من عمل القدماء، و لا أرى الدكتور رمضان عبد التواب إلا مقتفيًا خُطى الدكتور دياب في هذا الصنيع بل لعله انطلق في بحثه من نواة كتاب الدكتور دياب، و لم يحد قيد أنملة،إلا فيما يتعلق بالاستفاضة و الشرح التفصيلي ، و قد تحدث عن جهود علماء العربية القدامى في التحقيق، و أسهب في ذلك و لعل هذا العنوان يمثل شطر كتابه[20].. و على كلٍّ: هذه هي الأسس التي طبقها د/ دياب للتمثيل على نهج الأقدمين.:
----------------------------------------------------------------------------------------------
[1] - الدكتور رمضان عبد التواب في كتابه ( مناهج تحقيق التراث عند القدامى و المحدثين) عرَّف بالتراث و بيَّن ما في الكلمة من تطور صوتي ناتج بسبب القياس الخاطئ. ص 5- 10.
[2] -عبد المجيد دياب، تحقيق التراث العربي منهجه و تطوره، ص 12.
[3] - نفسه ص 13.
[4] - نفسه، ص 19 – 51.
[5] - عبد السلام هارون، تحقيق النصوص و نشرها، ص 11.
[6] - عبد المجيد دياب، م س ، ص 21.
[7] - عبد السلام هارون، تحقيق النصوص و نشرها، ص 11.
[8] - عبد المجيد دياب، مرجع سابق، ص 25.
[9] - نفسه، ص 30.
[10] - عبد المجيد دياب، م س، ص 35.
[11] - نفسه ص 35- 39 .
[12] - عبد المجيد، م س ، ص 39- 42.
[13] - نفسه ص 45.
[14] - نفسه ص 51 .
[15] - نفسه ص 53.
[16] - عبد السلام هارون، تحقيق النصوص و نشرها، ص 8 .
[17] - صلاح الدين المنجد، قواعد تحقيق المخطوطات، ص 7- 8 .
[18] - عبد المجيد، م س ، ص 182.
[19] - رمضان عبد التواب، مناهج تحقيق التراث بين القدامى و المحدثين، ص 13.
[20] - نفسه ، ص 28 – 44. | |
|
| |
فراشة سوف مشرف ذهبي
عدد المساهمات : 6031 نقاط : 42012 السمعة : 171 تاريخ التسجيل : 11/07/2009 العمر : 33 الموقع : وادي سوف*الجزائر
| موضوع: رد: عرض كتاب" تحقيق التراث العربي: منهجه و تطوره" الأربعاء 30 يونيو 2010, 6:01 pm | |
| تمهيد الكتاب
في التمهيد لكتابه، عرَّف الدكتور عبد المجيد دياب بالتراث لغةً و اصطلاحًا[1]، فالتراث في اللغة مأخوذٌ من الفعل ورث المبدلة التاء فيه من الواو. و أمَّا في الاصطلاح فهو:هو ما خلفته أجيال من العرب في ألوف الكتب و الرسائل...و هو تلك الآثار المكتوبة الموروثة التي حفظها لنا التاريخ كاملة، أو مبتورة، فوصلت إلينا في صورة كتب مخطوطة، أو لفائف أو كراسات.[2] و يبدو أنَّه اكتفى بحصر مفهوم التراث اصطلاحيًّا بما هو مكتوب. ثم درج يرصد ما تعرض له التراث العربي من نكبات و محن من مثل الغزو الصليبي و الفتن الداخلية. ثم يعرض لمفهوم تحقيق التراث، إذ إنَّه عملية مركبة معقدة، قام بها العلماء على مرِّ العصور، و هذه العملية تقتضي إخراج النص الأدبي كما صنعه مؤلفه، أو في أقرب صورة قاله عليها[3]. ثمَّ يتطرق إلى تحقيق النص الأدبي و بداياته منذ عهد اليونان، و أول من ألف في هذا الفن و مصنفاته و ما نُشر حوله من أبحاث و مقالات و كتب، ليصل بعد هذا التمهيد إلى أبواب الكتاب و فصوله التي استغرقت قواعد هذا الفن و تاريخه و منهجه و تطوره كما سنلاحظ.
الباب الأول : التحقيق عند القدماء يقسم هذا الباب إلى فصلين، يستعرض في أولهما التحقيق في عصر الرواية و التدوين، و في الثاني منهج التحقيق عند القدماء من العرب. و سنقف على كلا الفصلين لنبيِّن نهجه في الطرح و تتبعه لتاريخ التحقيق.
الفصل الأول : التحقيق في عصر الرواية و التدوين[4] يقدم الدكتور عبد المجيد دياب طرحًا تاريخيًّا للطريقة التي وصل بها الأدب الجاهلي ، شعرًا و نثرًا، إلينا. بادئًا بتعريف الرواية بالمفهوم الاصطلاحي و اللغوي. و لا ننسى أنَّ الرواية كما يقول عبد السلام هارون :" هي الطريقة البدائية للعلم عند جميع الشعوب"[5]. و لذلك فقد تحدث عن المراحل التي مرَّ بها مفهوم الرواية، فقد كانت في البداية مقتصرة على رواية الشعر، ثم جاءت بعد ذلك مرحلة رواية الحديث، و هنا كما يرى د/ عبد المجيد" دخلت الرواية الأدبية طورها الثاني، و هو ما يصلح أن نطلق عليه دور الرواية العلمية أو دور التحقيق"[6] أصبحت الرواية في دور الرواية العلمية أو دور التحقيق، تقوم على أمرين: 1- الحفظ و النقل و الإنشاد ( كالرواية في الدور الأول). 2- الضبط و التحقيق و التمحيص و الشرح و التفسير و شيء من الإسناد. ثم يتحدث بعد ذلك عن أوائل الرواة و كيفية رواية الشعر، و جمع الشعر الجاهلي و المقابلة بين روايات الأشعار. و أول تحقيق يتمثل في جمع القرآن و تحقيقه و تدوينه في عهد عثمان.تلا ذلك حركة جمع الشعر الجاهلي و تدوينه في النصف الثاني للقرن الأول. فالرواية العربية - كما جاء في تحقيق النصوص و نشرها- اقترنت منذ اللحظة الأولى بالحرص البالغ، و الدقة الكاملة و الأمانة[7]. و في إطار حديثه عن الروايات و اختلافها، ذكر الأسباب التي تؤدي إلى اختلاف الروايات و هي: 1- النسيان:فالأدب الجاهلي ظلَّ سنين طويلة يتناقله الرواة شفاها، و الحافظة كثيرًا ما تخطئ، و تضع كلمة مكان كلمة. 2- الشاعر يغيِّر: كان الشعراء أحياناً يغيرون ما يرون وجوب تغييره بعد أن يكون الرواة قد تناقلوا شعره. و يذكر مثلاً لذلك ببيت لذي الرمة[8]. 3- التحريف في القراءة: فقد كان العلماء أحياناً يأخذون من صحف غير منقوطة و لا مشكولة، فيقرؤها كلٌّ حسبما يصح عنده معناها. 4- خصائص اللهجات: فقد كان العرب ينشد بعضهم شعر بعض، و يجري كلٌّ منهم في النطق على طبعه و مقتضى فطرته اللغوية، فمن ثَمَّ يقع الاختلاف الصرفي و اللغوي الذي نراه في بعض الروايات. 5- الراوي يغير: كانت الرواة قديمًا تصلح أشعار الأوائل.فقد ضرب الدكتور دياب أمثلة على ذلك يبيِّن من خلالها أنَّ للرواة دوراً في تغيير ما ينقلونه من أشعار. 6- المؤلف يغيِّر: كان المؤلف يملي كتابه مرات عديدة و في كلِّ مرة يحدث في إملائه كثيرًا من التغيير. ممَّا يؤدي إلى اختلاف نسخ الكتاب. 7- تزيّد الرواة: يضرب لذلك أمثلة مما ورد في كتاب الشعر و الشعراء. ثم يتجه د/دياب إلى إبراز العلاقة بين رواية الأدب و رواية الحديث، بادئًا بالحديث عن تدوين الحديث ، ثم الفرق بين سند الحديث و سند الأدب و اللغة[9] ، ثم يعدد الأمور التي حملت الوضاعين على وضع الحديث؛ فمنها: الخصومات السياسية، و العصبية للبلد و الخلافات الكلامية، و الترغيب و الترهيب[10]. أعقب ذلك الحديث عن الرواية الأدبية، فذكر أخطاء الرواة و تعليقات العلماء عليهم ، ثم المح إلى ما تميز به علماء رواة الأدب من الدقة و مراعاة الأصول. و بيَّن أنَّ العلماء الأوائل لم يلتزموا الإسناد إلا نادرًا، ثم في فترات لاحقة ظهر الإسناد على نمط إسناد الأحاديث. و من أوجه التشابه بين علماء الحديث و علماء الأدب - على ما ذكر د/ دياب- احتجاب شخصية المؤلف، و كذا التزام شروط خاصة لراوي الأدب و اللغة على نحو ما فعل رجال الحديث[11]. و قد بيَّن باستفاضة وشائج القربى بين سند الأدب و اللغة و الحديث، و ذكر المقاييس المعتمدة في رواية الأدب، و ألفاظ الجرح عند رواة الحديث و الأدب[12].
التدوين: تحت هذا العنوان سرد د/ دياب قصة الكتابة و بداية التدوين، و تحدث عن النشأة الأولى للتدوين بدئًا من عهد الرسول r و ما تلا ذلك من عصور العربية الزاهرة، و هو يثبت أنَّ العرب مع فجر الإسلام عرفوا التدوين من خلال أمثلة طرحها، يقول:" فهذه أمثلة بيِّنة على أنَّ القوم قد عرفوا التدوين بالمعنى الذي نعرفه اليوم منذ صدر الإسلام"[13]. فلم يكن الاعتماد على الحفظ فقط، وقد مثَّل لذلك بما ورد من تسجيل بعض الأحاديث في زمن الرسول r .و أشار إلى موسوعية العلماء و عدم وجود التخصص الحاسم ، الأمر الذي جعل كتبهم تحوي المسائل المبعثرة، ثم يعرِّج على ذكر الأسباب التي دفعت العلماء للتدوين، و يشير إلى أنَّ بداية النهضة الحقيقية كانت زمن المنصور 143، و ذلك بطلبه إلى العلماء أن يجمعوا الأحاديث والفقه، و أوعز إلى المترجمين أن ينقلوا إلى العربية من كتب الألسنة الأخرى. و أشار إلى أسلوب التدوين في كل عصر إلى أن انتهى في هذا الفصل بتعريف المخطوطات. غيرَ أنَّه حصر مفهوم المخطوطات بما كان عربيًّا منها، و لا أدري لماذا ... يقول: "... المخطوط: الكتاب المخطوط بخط عربي سواء كان في شكل لفائف أو في شكل دفتر أو كتيِّب، أو كرَّاس، أو صحف، و أيا ما كان حجم هذا الكتاب"[14].
الفصل الثاني: منهج التحقيق عند القدماء من العرب يعرض د/ عبد المجيد في بداية هذا الفصل لجذور التحقيق مقارنًا أسس التحقيق المعاصر بموقف القدماء منه، فهو يرى أنَّ " تحقيق النصوص ليس من مبتدعات عصرنا الذي أخذ فيه المحققون بالنهج العلمي، و ليس من مبتدعات المستشرقين على إبداعهم و إجادتهم في نشر ذخائر التراث التراث العلمي العربي"[15] و هو في هذا يتابع رأي عبد السلام هارون و يوافقه[16] و يخالف رأي آخرين ممن أخذوا قواعد تحقيق النصوص من المستشرقين و زعموا أنَّ لهم فضلاً في ذلك، من مثل د/ صلاح الدين المنجد الذي يرد على من ينكر فضل المستشرقين في هذا العلم غامزاً إلى عبد السلام هارون،بل و يفخر أنَّه استقى قواعده التي يضمنها كتابه( قواعد تحقيق النصوص) من المستشرقين الألمان و يعيب على من أخفقوا في ذلك بأنَّه كان ينبغي عليهم اتباع منهج المستشرقين[17] . و الدكتور دياب يوضح وجهة نظره من ذلك بدقة يقول في حديثه عن المستشرقين في موضع آخر من الكتاب:" و لكي لا أغمطهم حقهم أقول : إنَّهم هم الذين أخذوا هذا المنهج عن العرب، فأحيوا به تراثهم، ثم نقلوه إلينا بعد أن أفادوا به و أضافوا إليه"[18]. و قوله هذا - من وجهة نظري- ليس بأشد حدة من قول رمضان عبد التواب في كتابه( مناهج تحقيق التراث بين القدامى و المحدثين) فهو يزعم أنَّ العرب قد سبقوا علماء أوربا إلى الاهتداء للقواعد التي يقابلون بها بين النصوص المختلفة، لتحقيق الرواية، و الوصول بتلك النصوص إلى الدرجة القصوى من الصحة، و يمثِّل لذلك بصنيع اليونيني في تحقيق روايات صحيح البخاري و غيره من الأمثلة[19] . و لكي لا يلقى الكلام على عواهنه، سار د/ دياب في خطوات أثبت فيها أسبقية العرب في ميدان التحقيق من خلال تطبيق أسس التحقيق المعاصرة على ما قام به القدماء، و نهج في ذلك سبيل التمثيل، فكان يذكر كلَّ أساس و يذكر مثالًا أو أكثر عليه من عمل القدماء، و لا أرى الدكتور رمضان عبد التواب إلا مقتفيًا خُطى الدكتور دياب في هذا الصنيع بل لعله انطلق في بحثه من نواة كتاب الدكتور دياب، و لم يحد قيد أنملة،إلا فيما يتعلق بالاستفاضة و الشرح التفصيلي ، و قد تحدث عن جهود علماء العربية القدامى في التحقيق، و أسهب في ذلك و لعل هذا العنوان يمثل شطر كتابه[20].. و على كلٍّ: هذه هي الأسس التي طبقها د/ دياب للتمثيل على نهج الأقدمين.:
----------------------------------------------------------------------------------------------
[1] - الدكتور رمضان عبد التواب في كتابه ( مناهج تحقيق التراث عند القدامى و المحدثين) عرَّف بالتراث و بيَّن ما في الكلمة من تطور صوتي ناتج بسبب القياس الخاطئ. ص 5- 10.
[2] -عبد المجيد دياب، تحقيق التراث العربي منهجه و تطوره، ص 12.
[3] - نفسه ص 13.
[4] - نفسه، ص 19 – 51.
[5] - عبد السلام هارون، تحقيق النصوص و نشرها، ص 11.
[6] - عبد المجيد دياب، م س ، ص 21.
[7] - عبد السلام هارون، تحقيق النصوص و نشرها، ص 11.
[8] - عبد المجيد دياب، مرجع سابق، ص 25.
[9] - نفسه، ص 30.
[10] - عبد المجيد دياب، م س، ص 35.
[11] - نفسه ص 35- 39 .
[12] - عبد المجيد، م س ، ص 39- 42.
[13] - نفسه ص 45.
[14] - نفسه ص 51 .
[15] - نفسه ص 53.
[16] - عبد السلام هارون، تحقيق النصوص و نشرها، ص 8 .
[17] - صلاح الدين المنجد، قواعد تحقيق المخطوطات، ص 7- 8 .
[18] - عبد المجيد، م س ، ص 182.
[19] - رمضان عبد التواب، مناهج تحقيق التراث بين القدامى و المحدثين، ص 13.
[20] - نفسه ، ص 28 – 44. | |
|
| |
فراشة سوف مشرف ذهبي
عدد المساهمات : 6031 نقاط : 42012 السمعة : 171 تاريخ التسجيل : 11/07/2009 العمر : 33 الموقع : وادي سوف*الجزائر
| موضوع: رد: عرض كتاب" تحقيق التراث العربي: منهجه و تطوره" الأربعاء 30 يونيو 2010, 6:13 pm | |
| أولًا : التثبت من نسبة النص إلى قائله[1]: و المراد بتوثيق النص : التأكد بالدليل من صحة نسبة النص إلى مؤلفه. فيعرض من خلال هذا البند ما كان يقوم به علماؤنا القدماء من الدقة و التحري عن صاحب النص أو القصيدة أو البيت و ما إلى ذلك. و كتب الأدب شاهدة على ذلك.فمثلاً كان ابن الجهم ناقدًا بصيرًا بأساليب الكتاب، يستطيع أن يرد المنتحل إلى صاحبه و يحكِّم في ذلك علمه و عقله و ذوقه، و هذا ما يسمى بنقد المصدر[2]. وإثبات النص إلى مؤلفه، يقول ابن الصلاح: " يطالع أحدهم كتابًا منسوبًا إلى مصنف معين، و ينقل عنه من غير أن يثق بصحة النسخة قائلاً : قال فلان كذا، و الصواب ما قدمناه من وجوب الدقة في رواية ما يؤخذ بالوجادة"[3]. و يدلل على ذلك أيضًا بصنيع المحقق الكبير عبد القادر البغدادي في خزانة الأدب، يقول :" أعتقد أنَّه لا يوجد بين محققي اليوم،في أوربا و الشرق من يدانيه"[4] فقد حل البغدادي الإشكال و الغموض الذي كان يشوب أبيات شرح شواهد الكافية و نسب كل بيت إلى قائله[5].
ثانيًا: جمع المخطوطات و المقابلة بينها في الهامش، و اتخاذ أقدم النسخ أساسًا للنقد، كما يفعل محققو اليوم، مع وضع رموز مختلفة يُشار بها إلى تلك المخطوطات[6]. و يدلل د/ دياب على هذا الأساس من أسس التحقيق ، بصنيع الآمدي في كتابه( الموازنة بين الطائيين)،فهو يرجع إلى النسخ القديمة و يحقق الأبيات، يقول الآمدي:" حتى رجعت إلى النسخة العتيقة التي لم تقع في يد الصولي وأضرابه"[7] و قد كانت أعظم النسخ قيمة عند العلماء منذ القدم[8]: 1- النسخة التي كتبها المؤلف بنفسه و عليها توقيعه[9]. 2- في الدرجة الثانية، المخطوطة التي نسخها أحد طلاب المؤلف و أجازها كما سمعها منه إملاءً في حلقة الدرس 3- أو المكتوبة بإشراف المؤلف. 4- أو تلك التي يكون المؤلف قد صححها و أجازها. و أمَّا اختلاف النسخ فيظهر أنَّه كان نتيجة تعديلات جوهرية أجراها المؤلف نفسه في حياته في نسخة من نسخ مصنَّفه، و كثيراً ما كان المملي يكرِّرُ على طلابه ما يمليه، و كان يضيف أحيانًا في المرة الثانية، و كذا كان بعض العلماء يجرون إصلاحات على ما يقرءون ،أو بفعل بعض النساخ على مرِّ الأيام. ثم يوضح الدكتور دياب طبيعة عمل القدماء عند اختلاف النسخ ؛ فمنهم من كان يكتفي بجمع القراءات المختلفة على هامش النسخة، و يقف عند هذا الحد، كما يفعل الكثير من المستشرقين، و منهم من كان يشعر أنَّ من واجب العالم اختيار أحسن القراءات و إيثارها على غيرها[10]. ثالثًا: رموز القدماء للنسخ التي كانوا يقابلون عليها[11]. يذكر الدكتور دياب أنَّ رجال الحديث كانوا يضعون رموزًا لنسخهم في كثير من الأحيان، مثل الحافظ اليونيني الذي أخذ بهذا النهج في نسخته ( صحيح البخاري)، إذ قابلها على عدة نسخ، و كان يرمز لاختلاف النسخ برموز، تمامًا مثل ما يفعل المحققون المعاصرون... و كان يشير إلى المكتبة التي كانت توجد فيها مخطوطات صحيح البخاري[12]. امَّا بالنسبة لعلماء الأدب فلم يكونوا يرمزون إلا في قليل من الأحيان، مثل مخطوطة (إصلاح المنطق) لابن السكيت، فهي تحوي في أثنائها مقابلات لنسخ مختلفة من الكتاب، يُشار إليها برموز مختلفة[13].
رابعًا: مقدمة التحقيق فالمخطوط القديم يبدأ عادة بالبسملة، تليها مقدمة للمؤلف يستهلها بحمد الله و الصلاة على رسول الله، ثم ينتقل بعد ذلك إلى ذكر اسم كتابه و موضوعه و الغرض منه، و منهجه في العمل، و طريقة ترتيب المادة فيه. و مثال ذلك: كتاب مشارق الأنوار للقاضي عياض، و كذلك مطالع الأنوار لابن قراقول و البكري في كتابه اللآلئ. و هذه الكتب قد بلغت - على حد زعم د/ دياب- من المستوى التحقيقي ما لم يصل إليه جهابذة المحققين في القرن العشرين[14].
خامسًا: الهوامش تحت هذا العنوان يذكر المؤلف أهمية الهوامش، و الغاية منها، و يبيِّن موقف القدماء منها. فقد كان " النساخون يتركون هامشًا أبيض على جانبي الصفحة المكتوبة، و كانت مساحة الهوامش تتناسب مع حجم الصفحة نفسها، فتتسع كلما كبرت الصفحة و تضيق كلما صغرت"[15]. و قد عبَّر الخوارزمي عن تعلقه بالحواشي و عظيم أهميتها، عندما سئل عند موته ما تشتهي؟ قال:" النظر في حواشي الكتب"[16].
سادسًا: ذكر المراجع التي استقى منها المحقق ما سجله في هامش الكتاب، هل كان ذلك خافيا على القدماء ؟ ذكر تحت هذا العنوان نصين دون أن يعلق عليهما، نفهم منهما أنَّ العلماء كانوا حريصين أشد الحرص على ذكر المرجع أو من أخذوا عنهم. فهذا السيوطي يقول:" و لهذا لا تراني أذكر في شيء من تصانيفي حرفًا إلا معزوًّا إلى قائله من العلماء مبينًا كتابه الذي ذكر فيه" [17].
الباب الثاني: تحقيق التراث في العصر الحديث و تطور مناهجه[18] يقسم المؤلف هذا الباب بعد التمهيد إلى ثلاثة فصول على النحو الآتي: التمهيد: يقدم فيه وصفًا سريعًا للبلاد تحت الحكم العثماني[19].
الفصل الأول:أسباب التطور، و منهج التحقيق في بدء النهضة و الطباعة و أثرها في منهج التحقيق[20]. و فيه يعرض أسباب التطور و بداية النهضة العربية الحديثة، و عوامل ظهورها. و يذكر دور جمعية المعارف في نشر التراث و طبيعة عملها، و طبيعة التحقيق عند جيل الرواد في هذه الفترة، و هو يأخذ على هؤلاء الرواد أنَّهم لم يعنوا بذكر الأصول المخطوطة التي اعتمدوا عليها في إخراج الكتب[21]. ثم يذكر دور دار الكتب المصرية في نشر التراث و التحقيق، و دور أحمد زكي باشا ، صاحب مشروع إحياء الآداب العربية و أول من سار على أحدث المناهج العلمية في التحقيق، ثم أتى جيل آخر تقدم إلى ميدان التحقيق، أمثال: عبد السلام هارون، و إبراهيم الإبياري، و علي البجاوي و أحمد شاكر و غيرهم . و لقد أطلق على هذه المرحلة مرحلة دار الكتب المصرية[22]. ثم أتبع ذلك بالحديث عن أحمد زكي و أثره في التحقيق[23].فإليه يرجع الفضل في بناء دعائم التحقيق و أسسه، كما أنَّه أول من أشاع إدخال علامات الترقيم الحديثة في المطبوعات العربية، و ألف في ذلك كتابًا سماه( الترقيم في اللغة العربية). و كذا تحدث عن دور دار المعارف حين بدأت بتحقيق التراث عام 1942.
[1] - عبد المجيد دياب، م س ، ص 54- 62.
[2] - نفسه ص 55. و هذه العبارة ذاتها كررها صفحة 151 دون إشارة أو إحالة .
[3] - نفسه ص 62 .
[4] - نفسه ص 60.
[5] - أسهب الدكتور رمضان عبد التواب في الحديث عن جهود عبد القادر البغدادي في خزانة الأدب، و استضاء في ذلك بما طرحه الدكتور دياب في كتابه.
[6] - نفسه ص 62- 70.
[7] - عبد المجيد دياب، تحقيق التراث العربي منهجه و تطوره، ص 62.
[8] - نفسه ص 64 .
[9] - رمضان عبد التواب، مناهج تحقيق التراث بين القدامى و المحدثين، ص 71.- 73 و ترتب النسخ من حيث علو الدرجة - على ما يذكر د/ رمضان عبد التواب- على النحو الآتي: * النسخة التي بخط المؤلف * النسخة المقروءة على المؤلف * النسخة المنقولة عن نسخة المؤلف أو المقابلة بنسخته. * النسخة التي كتبت في حياة المؤلف.
[10] - عبد المجيد، م س ، ص 66- 67.
[11] - نفسه، ص 70- 71.
[12] - نفسه ص 70.
[13] - نفسه ص 71.
[14] - عبد المجيد دياب ، م س ،ص 71- 72.
[15] - نفسه ص 72- 73.
[16] - نفسه ص 73.
[17] - نفسه ص 80.
[18] - نفسه ص 83- 312 .
[19] - نفسه ص 83 – 84.
[20] - نفسه ص 85- 132.
[21] - عبد المجيد دياب، م س ، ص86- 92.
[22] - نفسه ص 92- 95.
[23] - نفسه ص 96 – 101.
عدل سابقا من قبل فراشة سوف في الأربعاء 30 يونيو 2010, 6:15 pm عدل 1 مرات | |
|
| |
فراشة سوف مشرف ذهبي
عدد المساهمات : 6031 نقاط : 42012 السمعة : 171 تاريخ التسجيل : 11/07/2009 العمر : 33 الموقع : وادي سوف*الجزائر
| موضوع: رد: عرض كتاب" تحقيق التراث العربي: منهجه و تطوره" الأربعاء 30 يونيو 2010, 6:13 pm | |
| نشاط الطباعة و أثره في التحقيق و إحياء التراث: تحت هذا العنوان، ساق الدكتور عبد المجيد الحديث عن نشأة الطباعة العربية في أوربا، ثم بدايات نشر التراث في لبنان ثم في سوريا ثم في مصر. و أفاض بالحديث عن الطباعة في مصر المتمثل بالحديث عن إنشاء مطبعة بولاق و الخانجي و مطبعة الحلبي و المطبعة السلفية، ثم تحدث عن دور جامعة القاهرة في نشر التراث، و عن معهد إحياء المخطوطات العربية ، تبعه الحديث عن مجمع اللغة العربية ثم لجنة التأليف و الترجمة فالمجلس الأعلى لرعاية الفنون و الآداب( الثقافة)، تلا ذلك الحديث عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة، ثم إنشاء إدارة إحياء التراث بوزارة الثقافة أعقبها تأسيس المؤسسة المصرية العامة للتأليف و الترجمة ثم الدار المصرية للتأليف و الترجمة، فدار الكاتب العربي، ثم الهيئة المصرية العامة للكتاب، فدار الجمهورية فدار الشعب، فالمعهد الفرنسي. كل ذلك في مصر أم الثقافة في عالمنا العربي. و قد تطرق إلى الدور الذي أداه ثلة من المثقفين في سبيل النشر و الطباعة ، من مثل: فرج الله الكردي و محمد منير الدمشقي، و حسام الدين القدسي و أمين هندية و مصطفى محمد و غيرهم. ثم بيَّن الدور الذي تقوم به الهيئة المصرية العامة للكتاب من خلال مركز تحقيق التراث بها، و كذا الدورات التدريبية في الجامعة العربية، بعد ذلك انتقل إلى الحديث عن نشر التراث في أمصار أخرى، في العراق و الكويت و المملكة العربية السعودية و قطر و المغرب العربي ثم دائرة المعارف العثمانية بالهند[1]. و لم يتطرق في حديثه إلى التراث و المخطوطات الفلسطينية سواء التي في بيت المقدس أو في كلية أصول الدعوة أو تلك التي في غزة و لم يشر إليها من قريبٍ أو بعيد.
الفصل الثاني: ماهية التحقيق و المواد المساعدة عليه[2] بدأ الدكتور دياب بتعريف التحقيق( لغةً و اصطلاحاً)، و انتهى إلى أنَّ التحقيق : عملية مركبة تقتضي إخراج نص مضبوط يكون على الصورة التي قاله عليها صاحبة، أو أقرب ما يكون إلى ذلك على الأقل. و الكتاب المحقق على ذلك هو الكتاب" الذي صحَّ عنوانه، و اسم مؤلفه، و نسبة الكتاب إليه، و كان متنه أقرب ما يكون إلى الصورة التي تركها مؤلفه"[3]. و قد عرض للأمور التي ينبغي أن يتناولها المحقق ، و هي الأمور التي ذكرها عبد السلام هارون في كتابه تحقيق النصوص و نشرها ، و هي[4]:
1- تحقيق العنوان:[5] و هنا يشير المؤلف إلى أنَّ بعض المخطوطات قد تكون خالية من العنوان لأسباب عديدة: إمَّا بسبب فقد الورقة الأولى، أو انطماس العنوان، و أحيانًا يثبت على النسخة عنوان واضح جلي، لكنَّه يخالف الواقع؛ بسبب التزييف أو جهل قارئ ما، وقعت إليه نسخة مجردة من عنوانها فأثبت ما خاله عنوانًا. و هناك وسائل تعين المحقق إذا واجه هذه المشكلة عليه الإلمام بها [6] . 2- تحقيق اسم المؤلف: فعلى المحقق ألا يطمئن إلى ذكر اسم مؤلف المخطوط " بل لا بد من إجراء تحقيق علمي، يطمئن معه الباحث إلى أنَّ الكتاب نفسه صادق النسبة إلى مؤلفه"[7]. 3- تحقيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه[8]: ينبغي أن نعرض هذه النسبة على فهارس المكتبات و المؤلفات الكتبية، و كتب التراجم؛ لنستمد منها اليقين أنَّ هذا الكتاب صحيح الانتساب. 4- تحقيق نص الكتاب : و هنا يطرح المؤلف تساؤلًا: ما هي الأمور التي تعين على إقامة النص، و تجنب المحقق مزالق سوء الأداء؟ يذكر عدداً من الوسائل التي تعين على تحقيق النص: أولها- التمرس بقراءة المخطوط فإنَّ القراءة الخاطئة لا تنتج إلا خطأ ، لا سيما أنَّ بعض المخطوطات خالية من نقاط الإعجام، و بعضها ذات رموز و علامات خاصة، مثل علامة التمريض و علامة التثليث وغيرها[9]. ثانيها- التمرس بأسلوب المؤلف و معرفة لوازم ذلك الأسلوب و الوقوف على ما يؤثره من العبارات و الألفاظ، و ذلك يكون - على ما يرى د/ دياب- من خلال رجوع المحقق إلى أكبر قدر يستطيع الحصول عليه من كتب المؤلف، و ذلك ليزداد خبرة بأسلوبه و ظروفه[10]. ثالثها- الإلمام بالموضوع و القضايا التي يعالجها المخطوط، حتى يفهم النص فهمًا سليمًا[11]. رابعها – المراجع العلمية ذات العلاقة المباشرة بالمخطوط، من مثل: كتب المؤلف نفسه المخطوطة و المطبوعة، و الكتب التي لها علاقة نسب بالكتاب كالشروح و المختصرات و التهذيبات، و الكتب التي اعتمدت في تأليفها اعتماداً كبيرًا على الكتاب.و كذا المراجع التي استقى منها المؤلف نفسه[12]. خامسها- الرجوع إلى الكتب المعاصرة للمؤلف التي تعالج نفس موضوعه أو تعالج موضوعًا قريبًا منه. سادسها- المراجع اللغوية ، و تتمثل في : معاجم الألفاظ، و معاجم المعاني، و معاجم الأسلوب، و كتب المعربات، و معاجم اللغات، و المراجع النحوية.[13] و هو هنا يتمثل بما أورده عبد السلام هارون دون إشارة كذلك[14].
سابعها- لا يستغني المحقق عن المراجع العلمية الخاصة بمادة الكتاب أو مواده[15].
[1] - عبد المجيد دياب، م س ، ص103- 132.
[2] - نفسه ، ص 133- 206.
[3] - عبد المجيد دياب، م س، ص 134.
[4] - عبد السلام هارون، تحقيق النصوص و نشرها، ص 42.
[5] - الدكتور دياب ينقل هنا عن عبد السلام هارون نصا حرفيًّا دون الإحالة أو الإشارة إلى ذلك في الحاشية . انظر : تحقيق التراث العربي ص 135 و قابله بما أورده عبد السلام هارون 43.
[6] - عبد المجيد دياب، تحقيق التراث العربي منهجه و تطوره ، ص 135. قارن ذلك بما أورده عبد السلام هارون تجده ينقل حرفيًا دون إشارة مطلقًا. انظر عبد السلام هارون ص 44- 45 . ينقل صفحتين نصًا حرفيًّا.
[7] - نفسه ص 136.
[8] - هنا كذلك ينقل من كتاب عبد السلام هارون نصف صفحة دون الإشارة أو ذكر أخذه عن عبد السلام هارون.انظر عبد السلام ص 46 و قارنه بصفحة 137 من كتاب الدكتور دياب.
[9] - عبد المجيد، م س ، ص 137- 141. ينقل هذه الصفحات بالكامل من كتاب عبد السلام هارون ص 53 -59 مع القليل جداً من التهذيب و لم يشر إلى النقل إلا في فقرة صغيرة ، في حين أنه أخذ كل ذلك عن عبد السلام هارون. و للدكتور رمضان عبد التواب كلام مستفيض حول ضرورة معرفة مصطلحات القدماء في الكتابة . انظر : رمضان ، مناهج تحقيق التراث بين القدامى و المحدثين، ص 87-89.
[10] - عبد المجيد دياب ، م س ،ص 142.
[11] - عبد المجيد دياب، م س ، 142. ينقل نصاً حرفيًا عن عبد السلام هارون دون ذكر ذلك مطلقًا . انظر عبد السلام ص 60.
[12] - نفسه ص 142- 145. و انظر عبد السلام ص 60- 61 .
[13] - نفسه ص 145- 147. يبدو أنَّه في معمة النقل اختلط عليه الأمر فالمراجع النحوية هي الأمر السابع بحسب عبد السلام هارون، و ليست السادس وفقاً لأنواع المعاجم اللغوية.
[14] - عبد السلام هارون، تحقيق النصوص و نشرها، ص 62 – 63.
[15] - عبد المجيد دياب، تحقيق التراث العربي منهجه و تطوره، ص 147.
عدل سابقا من قبل فراشة سوف في الأربعاء 30 يونيو 2010, 6:19 pm عدل 1 مرات | |
|
| |
فراشة سوف مشرف ذهبي
عدد المساهمات : 6031 نقاط : 42012 السمعة : 171 تاريخ التسجيل : 11/07/2009 العمر : 33 الموقع : وادي سوف*الجزائر
| موضوع: رد: عرض كتاب" تحقيق التراث العربي: منهجه و تطوره" الأربعاء 30 يونيو 2010, 6:14 pm | |
| ثقافة المحقق و المواد المساعدة على التحقيق
يبدو أنَّ الدكتور دياب قد كرر هذا العنوان سابقًا ص 133.و هو يعيد بعض البنود مكررة هنا مع تغيير بعض الألفاظ. و سنلاحظ ذلك جليّا من خلال عرض النقاط الآتية التي تساعد على التحقيق. فقد ذكر المؤلف أنَّ من يتضلع بالتحقيق ينبغي أن يكون مثقفًا بثقافة خاصة تعينه على التحقيق؛ كأن يكون أولاً: متقناً لفقه اللغة و لعلوم النحو و الصرف و البيان و التاريخ ، و مناهج هذه العلوم و مناهج البحث نفسها، و على معرفة بتطور الخط العربي و ألوانه عبر العصور المختلفة، و أن يكون مدركًا لتطور دلالة الألفاظ، و أن يكون على معرفة بمظان البحث، و اطلاع على البرامج، و كيفية الاهتداء إلى النصوص التي تتصل بالكتاب المراد تحقيقه[1]. ثانيًا:القدرة على قراءة المخطوط ، ثم التمكن من فقه اللغة أو ما يسمى بالفولولوجيا، فعليه أن يعرف تطور دلالة الألفاظ حتى لا يفسر ما يقرأ على غير حقيقته. ثالثًا: التحقق من صحة المخطوطة في نفسها، و صحة نسبها إلى صاحبها بصورة قاطعة، و هذا ما يسمى بنقد المصدر. ثم سرد الدكتور دياب مجموعة من المصادر التي تعين المحقق في عمله بعد أن عرَّف بعلم الوثائق أو علم الدبلومات، فذكر (159) مرجعًا ، في التاريخ و الأدب و النحو و الصرف و التصوف و غير ذلك[2].
التصحيف و التحريف
فالمحقق ينبغي أن يكون على دراية كاملة بالتصحيف و التحريف، و أن يكون فطنًا لمواقع التصحيف . و قد ذكر الفرق بين التصحيف و التحريف بعد أن ذكر قول العلماء في هذين الأمرين، و كيفية الضبط عند العلماء خوفًا من التصحيف و التحريف. فالمُصحَّف هو : ما كان فيه تغيير حرف أو حروف بتغيير النقط، مع بقاء صورة الخط، مثل: عباس عياش ... و التحريف هو: العدول بالشيء عن جهته، و قد يكون بالزيادة في الكلام أو النقص منه، و قد يكون بتبديل بعض كلماته، و قد يكون بحمله على غير المراد منه.فهو أعم من التصحيف.... فإن كان بالنسبة إلى النقط يسمى مصحَّفًا و إن كان بالنسبة إلى الشكل و الإعراب يسمَّى محرفًا[3]. ثم يذكر أسباب التصحيف و الدوافع وراء تحريف النصوص. و عبد السلام هارون أكثر إسهابًا و إفاضة في موضوع التصحيف و التحريف فبعد التعريف بهما و ضرب أمثلة عليهما، ذكر أبرز الكتب التي ألفت في ذلك ، كما استعرض تاريخ التصحيف و التحريف و بين وروده في القرآن و اللغة الشعر و كلام العرب، و بين كيف تصدى العلماء لهذه المعضلة من خلال مصنفاتهم في المؤتلف و المختلف[4].
الأخطاء النحوية
يُلحق الدكتور عبد المجيد دياب بالتحريف موضوعَ الأخطاء النحوية، تلك التي ارتكبها النسَّاخ، و هي مسألة دقيقة فقد يكون الخطأ من الناسخ كما أنه قد يكون من المؤلف ، و كيفية المعالجة و المقابلة تقتضي معرفة شخصية المؤلف، و عند المقابلة إن اتفقت جميع النسخ على الخطأ عزوناه للمؤلف، فإذا لم تكن النسخ متفقة على الخطأ، فإما أن يكون الخطأ ليس من المؤلف و إما أن يكون من المؤلف و انتبه إليه أحد النساخ فأصلحه، في النسخة العالية يثبت المحقق ما ورد على علاته ، أما في النسخ الثانوية فالنسخة الخالية من هذه العيوب هي الأحق بالإثبات[5]. يرى الأستاذ عبد السلام هارون أنَّ المحقق بإمكانه أن يلجأ إلى التلفيق بين الروايات إذا كانت كلٌّ منهما تحمل نصف الصواب و نصف الخطأ، فهو جدير بأن يثبت ما يراه، بشرط ألا يغفل الإشارة إلى الروايات كلها، ففي ذلك - كما يرى عبد السلام هارون- الأمانة و إشراك القارئ في تحملها[6].
المستشرقون و أثرهم في تحقيق النصوص[7] يبيِّن الدكتور عبد المجيد في موضوعه هذا من هم المستشرقون و متى قامت حركة الاستشراق، عارضًا تاريخ الاستشراق و أهداف المستشرقين و أقسامهم، و يتحين الفرصة حتى يبرز موقفه من المستشرقين و تحقيق التراث، فهو يرفض زعْم القائلين إن المستشرقين هم أصحاب أصول التحقيق ، و يعبر عن ذلك بحدة بقوله:" إنَّهم هم الذين أخذوا هذا المنهج عن العرب، فأحيوا به تراثهم، ثم نقلوه إلينا بعد أن أفادوا به و أضافوا إليه"[8] . و قد ذكرنا من قبل موقف مدرسة عبد السلام هارون من المستشرقين في مقابل مدرسة د/ صلاح الدين المنجد الذي تلقف منهجه في التحقيق عن المستشرقين كما أو ضح في كتابه كما ذكرنا سابقًا. أتبع ذلك بالحديث عن مظاهر نشاط المستشرقين من خلال استعانتهم ببعض العلماء العرب.أمثال رزق حسون و إبراهيم طوقان و محمد عياد الجوهري و غيرهم. و من خلا الجمعيات و المؤتمرات و ما قاموا به من جمع للمخطوطات. و أشاد بدور بعض المستشرقين أمثال: بروكلمان و برجشتراسر و ستنفيلد . و بيَّن فضلهم في الفهرسة و الجمع. ثم عقد مقارنة بين عمل المستشرقين وعمل أبناء العربية، فكشف الغطاء عن المخطوطات العربية في فجر اليقظة . و يذكر قولًا لأحمد شاكر يزعم فيه أنهم أكثر اتقانًا من المستشرقين . و هنا يبين طبيعة عمل المستشرقين في التحقيق، فهم على وجه العموم يهتمون بفروق القراءات أكثر مما يهتمون بالشروح و التعقيبات...فهو يخلص إلى تميز نخبة المحققين العرب أمثال: عبد السلام هارون و أحمد شاكر و محمود شاكر و غيرهم على المستشرقين[9].
[1] نفسه ص 148- 152.
[2] - عبد المجيد، م س ، ص 156-164.
[3] - عبد المجيد ، م س، ص 165- 173.
[4] - عبد السلام هارون، تحقيق النصوص و نشرها، ص 65 – 71.
[5] - عبد المجيد دياب، تحقيق التراث العربي، ص 174- 175 .
[6] - عبد السلام هارون، م س ، ص 73.
[7] - عبد المجيد دياب، م س ، ص 176- 203 .
[8] - عبد المجيد، م س، ص 182.
[9] - عبد المجيد دياب، م س ، ص 204 – 206.
عدل سابقا من قبل فراشة سوف في الأربعاء 30 يونيو 2010, 6:21 pm عدل 1 مرات | |
|
| |
فراشة سوف مشرف ذهبي
عدد المساهمات : 6031 نقاط : 42012 السمعة : 171 تاريخ التسجيل : 11/07/2009 العمر : 33 الموقع : وادي سوف*الجزائر
| موضوع: رد: عرض كتاب" تحقيق التراث العربي: منهجه و تطوره" الأربعاء 30 يونيو 2010, 6:14 pm | |
| الفصل الثالث: منهج التحقيق كما ينبغي أن يكون[1] يقدم في هذا الفصل رؤيته و خلاصته لمنهج التحقيق المفضل، أو ما ينبغي أن يكون عليه؛ موضِّحًا في البداية كلمة ( المنهج) في اللغة و الاصطلاح، ثم يلج للنص و يتحدث عن توثيق النص أو المخطوط[2] ، و هناك مرحلتان ينبغي أن نتبعهما في توثيق المخطوط: المرحلة الأولى- التثبت أولًا أنَّ للمؤلف كتابًا يحمل عنوان المخطوط المنسوب إليه بالرجوع إلى كتب التراجم و الفهارس، فإن لم يكن موجودًا فلا بد من فحص متن المخطوط و هو ما يعرف بالنقد الداخلي. المرحلة الثانية- تتمثل في المقابلة، بعد عملية التأكد من وجود النسخ للكتاب، فإن كانت النسخ كثيرة جدًا، فنختار أهمها، و يستحسن توصيف النسخ التي أسقطها المؤلف، و هناك معايير لتفضيل النسخ: · النسخ الكاملة أفضل من النسخ الناقصة. · القديمة أفضل من الحديثة. · واضحة الخط أحسن من غير الواضحة. · النسخ التي قوبلت بغيرها، و مثبت عليها هذه المقابلات، أحسن من التي لم تقابل. ثم يأتي في الصفحات اللاحقة للحديث عن بعض ما قد يظهر للمحقق، فمثلًا يتحدث عن توافر النسخة التي بخط المؤلف و دور المحقق في التعامل معها[3].و كيف يصنع المحقق إذا وقعت بين يديه نسخة وحيدة منقولة عن نسخة المؤلف؛ فعليه أن يقف على كل خصائصها من ناحية الشكل و النقط، و الرسم، و المصطلحات، و المعلومات التاريخية، ثم يدرس حياة المؤلف و مؤلفاته و يلم بأشهر المعاصرين الذين تناولوا نفس الموضوع و يطبق هذه المعلومات على النسخة الوحيدة المنقولة عن الأصل المفقود[4].
و في حالة ثالثة يذكر كيف نتعامل إذا ضاع الأصل و بقيت عدة نسخ[5]. و عند ذلك يرى د/ دياب أنَّه لا ينبغي أن يكون قدم المخطوطة هو العامل الفاصل، بل لابد من تحديد العلاقات بين النسخ بعضها ببعض.فمثلاً الاتفاق في الأغلاط شاهد على الاتفاق في المصدر، فنطرح كل النسخ المنقولة عن نسخة محفوظة لدينا، و قد تكون النسخ مستقلة عن بعضها عن بعض، أو نسخ فرعية مصدرها مفقود. فيقوم المحقق بعمل شجرة النسب مبتدئًا من الأصل. و حول مسألة وجود الأخطاء في نسخة المؤلف، يبين الدكتور دياب رأي المستشرقين الذي يعدون نسخة المؤلف ذات حرمة فلا يجوز إصلاح الخطأ حتى لو كان في آية قرآنية. أمَّا رأي الدكتور عبد المجيد دياب فيعبر عنه بقوله:"و اليوم قد خالفنا هذا المنهج و اتبعنا منهج أساتذتنا المعاصرين فإننا نصلح النص، حتى و لو كانت نسخة المؤلف إنْ قام الدليل القاطع على خطئها؛ لأنَّه بشر يخطئ و يصيب و قد يسبقه قلمه، لكن بشرط أن نشير في الهامش إلى هذا الإصلاح و سببه، و إلى رواية المؤلف التي سها فيها."[6] . هناك حالة رابعة يذكرها، و هي النسخة المطبوعة التي فقدت أصولها أو تعذر الوصول إليها.ففي هذه الحالة بعضهم يعدها أصولًا ثانوية في التحقيق، و الأكثرون يهدرونها... أمَّا من يثبتونها فيشترطون لذلك أن تكون المطبعة من المطابع الثقة، و هم في ذلك يعدونها بمنزلة المخطوطة المأخوذة بالوجادة[7].
الحالة الخامسة: النص المختار و ما هو العمل. يبرز هنا طبيعة عمل المحقق في النص الذي وقع عليه اختياره، و أي النسخ أولى، ثم كيف يتعامل مع السقط، و نقل المؤلف من مصادر أخرى[8]. و الحالة السادسة التي يعرض لها، هي: نشر الكتب بطبع الصور لمخطوطاتها. يرى د/ دياب أن نشر الكتب بطبع الصور الشمسية يعد تحقيقًا إذا أعدَّ لها الناشر مقدمة نقدية استجمع فيها ما يجب أن يكون في مقدمة الكتاب المحقق المطبوع، و تحقق من نسبتها إلى مؤلفها، و ذكر ذلك في مقدمته، و ذيلها بالفهارس و التصويبات و التعليقات التي لا تقل عن زميلتها في المطبوع[9] . و من تلك الحالات كذلك التي ذكرها و بيَّن موقفه منها، مسألة نقل كتاب من موسوعة، فهو يرى أنه لا يصح أن يُخرج منه كتابًا محققًا، و إنما يُستعان به في تحقيق النص و يستأنس به... و هذا - على حد زعم د/ دياب – يعد خطأ جسيمًا في فن التحقيق و في ضمير التاريخ[10]. و أخيرًا في نهاية هذا الفصل، يتحدث – و لكن بإسهاب- عن قضايا متعددة من مثل[11]: الحشو و الإكمال، و علامات الترقيم و الضبط، و الإخراج ، و الهامش و التعليقات. و له في الأخير رأي، فهو يرى أنَّ هناك من التعليقات ما يثقل الهامش و لا فائدة منها، و ينتقد في ذلك صنيع د/ رمضان عبد التواب في كثرة المراجع التي يذكرها في الهامش متابعًا ، و يتمثل بقول محمود شاكر:" ضعاف المحققين من الذين يتكثَّرون بما لا ينفع الكتاب، و لا يهدي القارئ إلى شيء ينتفع به في قراءة ما بين يديه من الكتاب"[12]. و يبين في موضوع الهوامش هذا موقف أستاذنا الدكتور حسين نصار، فهو يرى وجوب تقديم صورة دقيقة شاملة لجميع الروايات الواردة في النص و المثبتة في النسخ الأخرى[13].
من مكملات التحقيق مقدمة التحقيق ، و التي تتضمن أمرين: التعريف بمؤلف الكتاب، و التعريف بالكتاب نفسه و منزلته ونسخه ما إلى ذلك[14]. و كذا لا بد من الاهتمام بالفهرسة ، و قد ذكر تاريخ الفهرسة عند القدماء، ثم ذكر أنواع الفهارس و فصَّل فيها[15] . ثم لا بد أن ينتهي المخطوط المحقق بثبت قائمة المراجع، و قد يلحقه أحيانا بالاستدراك و التذييل[16] . و ختم الدكتور عبد المجيد دياب كتابه بالخلاصة، ثم قدم توصيات أشار بها إلى دور الجامعات العربية في تحقيق النصوص، ثم بيَّن الأمور التي يجب توافرها في المحقق[17]. و حتى يكون كتابه شاملًا مفيدًا لما طرح، فهو لا يقتصر على الجانب النظري، فقد كان لا بد من التمثيل على منهج التحقيق، فأورد ملحقات كنماذج للتحقيق، من مثل: منهج التحقيق في كتاب الأغاني، و منهج التحقيق في كتاب الشفاء و عيرهما[18]. و قدمت سردًا للمصادر و المراجع التي استقى منها، و التي أربت على مئتين و ستين مرجعًا[19].
مع كتاب آخر بعون الله ... في هذه الفترة أجنِّد نفسي لقراءة مجموعة من كتب التراث، و الكتب التي تُعنى بدراسة التراث، و سأقوم - إن شاء الله- بعمل عرض و ملخص سريع لها.
خالد عايش
[1] - عبد المجيد ص 207-315.
[2] - نفسه ص 209- 212.
[3] - نفسه ص 213- 216.
[4] عبد المجيد ، م س، ص 217- 218.
[5] نفسه ص 219- 224.
[6] - عبد المجيد دياب، م س ، ص 224.
[7] - نفسه ص 225.
[8] - نفسه ص 226- 236.
[9] - نفسه ص 237- 238.
[10] - عبد المجيد دياب، م س، ص 239- 240.
[11] - نفسه ص 241- 280.
[12] - نفسه ص 250 و كرر نفس المقولة 206 و 252.دون إشارة إلى أنَّه ذكرها من قبل أو ما شابه.
[13] - عبد المجيد دياب، م س ، ص 253.
[14] - نفسه ص 281- 285.
[15] - نفسه ص 286- 298.
[16] - نفسه ص 298- 299.
[17] -نفسه ص 300- 315.
[18] - نفسه ص 316- 356.
[19] - نفسه ص 357- 372.
| |
|
| |
فراشة سوف مشرف ذهبي
عدد المساهمات : 6031 نقاط : 42012 السمعة : 171 تاريخ التسجيل : 11/07/2009 العمر : 33 الموقع : وادي سوف*الجزائر
| موضوع: رد: عرض كتاب" تحقيق التراث العربي: منهجه و تطوره" الأربعاء 30 يونيو 2010, 6:24 pm | |
| اتمنى انكم تستفيدوا من هذا الكتاب المصور و المعروض لكل متصفح يهمه عرض الكتاب تقبلوا فائق تحياتي و مودتي احبابي | |
|
| |
ملاك الله مشرف ذهبي
عدد المساهمات : 8536 نقاط : 52694 السمعة : 248 تاريخ التسجيل : 12/07/2009 العمر : 43 الموقع : الوادي
| موضوع: رد: عرض كتاب" تحقيق التراث العربي: منهجه و تطوره" الجمعة 02 يوليو 2010, 6:57 pm | |
| | |
|
| |
فراشة سوف مشرف ذهبي
عدد المساهمات : 6031 نقاط : 42012 السمعة : 171 تاريخ التسجيل : 11/07/2009 العمر : 33 الموقع : وادي سوف*الجزائر
| موضوع: رد: عرض كتاب" تحقيق التراث العربي: منهجه و تطوره" الأربعاء 21 يوليو 2010, 10:49 pm | |
| | |
|
| |
احمد_39 مشرف فضي
عدد المساهمات : 3115 نقاط : 22129 السمعة : 37 تاريخ التسجيل : 19/12/2009
| موضوع: رد: عرض كتاب" تحقيق التراث العربي: منهجه و تطوره" السبت 24 يوليو 2010, 1:43 am | |
| | |
|
| |
| عرض كتاب" تحقيق التراث العربي: منهجه و تطوره" | |
|